بقلم: ديزموند ويلدين, مدير التدقيق, مكتب التدقيق في جزر كوك
طاب يومكم،
فريق التدقيق في جزر كوك صغير في الحجم ولكنّه كبير في الطموح.
فبعدما قدت الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة في بلدي لأكثر من عام بقليل، أُعتبر جديداً نسبياً على هذا الدور، ولكنّني تدرّبت وعملت جنباً إلى جنب مع زملائي المدققين في منطقة جزر المحيط الهادئ لسنوات عديدة الآن.
ويعمل فريقنا بشكل أساسي على ضمان ثقة شعب جزر كوك في القطاع العام (أو “الخدمة المدنية”)، وفي إنفاق أموال المكلّفين بدفع الضرائب.
كما نسعى إلى قيادة ثقافة التعاون عبر القطاع العام. ومن شأن ذلك أن يتيح إجراء تدقيق برلماني، مما يؤدي بدوره إلى المساءلة والنزاهة.
وقد انضممت أخيراً إلى المجلس التنفيذي لمجموعة الأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة لدول الباسيفيك (الباساي)، وفي وقت لاحق من هذه السنة، سيكون من دواعي سرورنا استضافة مؤتمر الباساي في مقرّنا في راروتونغا في جزر كوك، حيث ستعتمد الباساي خطة استراتيجية جديدة من شأنها أن تدفعنا إلى الأمام لمدة 10 سنوات أخرى. وفي الوقت الذي نطور فيه هذه الاستراتيجية، ندرك أكثر من أي وقت مضى التحديات التي نواجهها كأجهزة عليا للرقابة المالية والمحاسبة في الجزر الصغيرة والتعاون في شأن كيفية إحداث تأثير كبير.
في راروتونغا، نحن فريق مكوّن من خمسة عشر عضواً، وهو رقم متوسط لمنطقتنا. وعلى سبيل المقارنة، لا يضم جهاز التدقيق في إحدى جزر المحيط الهادئ سوى ثلاثة أعضاء في الفريق، بمن فيهم رئيس الجهاز. وبالنسبة إلى الأجهزة الصغيرة كجهازنا، يخلّف فقدان عدد صغير من الموظفين تأثيراً كبيراً على عمليات الجهاز ونتائج عمله.
ولا يمكننا دائماً تحويل مواردنا المحدودة ولا إنشاء وحدات للموارد البشرية تعمل بكامل طاقتها. كما نواجه ضغوطاً هائلة لناحية الاحتفاظ بالموظفين.
هنا في جزر كوك، يكافح القطاع العام بأكمله لجذب الموظفين الذين يتمتعون بالمؤهلات المطلوبة والاحتفاظ بهم. وهناك إغراءات قوية جداً، وأحياناً ضرورة، للأفراد للبحث عن فرص أعلى أجراً في القطاع الخاص و/أو في بلدان أكبر. وهذا هو الواقع الذي نواجهه ونحاول التكيّف معه باستمرار.
ويظهر عملنا أنّه يتعيّن علينا مواصلة بناء القدرات داخل فريقنا. ونحن لسنا في منأى عن التحديات التي تواجه القطاع العام في جزر كوك، حيث يتصدّر نقص الموظفين المؤهلين قائمة هذه التحديات.
لذلك فإنَّ الترقية والتوظيف هما من مجالات تركيزنا.
ونحن نقبل حقيقة أنَّ نسبة عالية من الذين يتمّ استخدامهم اليوم سينتقلون إلى مناصب أخرى في غضون خمس سنوات، إذ لا يمكننا السيطرة على عوامل الجذب. غير أنّنا نستطيع وضع استراتيجيات لضمان ألا يعوق معدل دوران الموظفين عملنا وأن تتم المحافظة على نواة منهم من أصحاب المسيرة الطويلة بشكل يسمح بأن يكون العمل مستقراً ومنتجاً.
كيف نحفّز الموظفين على البقاء، أو على الأقل البقاء لفترة أطول مما كانوا سيفعلون؟ نحن نعلم أنّه لا يمكننا منافسة رواتب شركات المحاسبة التجارية والمناصب المالية في القطاع الخاص، ولكنّنا نتفاوض مع هيئة الخدمة العامة لرفع نطاقات الرواتب قدر الإمكان.
الوقت الذي نطور فيه هذه الاستراتيجية، ندرك أكثر من أي وقت مضى التحديات التي نواجهها كأجهزة عليا للرقابة المالية والمحاسبة في الجزر الصغيرة والتعاون في شأن كيفية إحداث تأثير كبير.
– ديزموند ويلدين
إلى ذلك، بذلنا جهوداً كبيرة لبناء بيئة عمل مفتوحة وممتعة. ويشمل هذا ساعات عمل مرنة لتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة. كما إنّنا نستثمر غالباً في معدّاتنا وبرامجنا الحاسوبية، وقد أنشأنا مكان عمل ملائم للتعلّم والتطوير. وشمل ذلك إتاحة مسار للتحوّل إلى محاسبين قانونيين، وتوفير أسبوع لكل ورقة للدراسة والتدريب لكل عضو في الفريق مقارنةً بنصف اليوم الموفّر في أماكن أخرى.
ويمثل التطوير المهني أولوية بالنسبة إلينا، إذ أنشأنا خلال جائحة كوفيد-19 غرفة تدريب مخصصة عبر الإنترنت، وحرصنا منذ ذلك الحين على الاحتفاظ بها. وبطبيعة الحال، يرفع التدريب الشامل قيمة الفرد في سوق الوظائف الخارجية، ولكن البديل سيكون التعامل مع فريق غير مؤهل.
أنا نفسي نتاج سنوات من التدريب التقني، وأخيراً بناء القدرات القيادية التي تلقيتها من خلال الباساي ومبادرة إنتوساي للتنمية. ومكّنتنا المهارات والمعرفة التي اكتسبها كبار المديرين التنفيذيين الآخرون وأنا من تأدية العمل التأسيسي اللازم للمحافظة على جهاز أعلى عامل للرقابة المالية والمحاسبة.
وغنيٌّ عن القول إنَّ البرامج الإقليمية التي تقدمها الباساي وتمكِّن الموظفين من التعرف على العمليات والموارد والنماذج المخصّصة لسياق المحيط الهادئ، كانت ذات قيمة. وأنا أعلم أنَّ أجهزة أخرى قد استفادت أيضاً من المشاركة في العديد من عمليات التدقيق التعاونية بتوجيه من خبراء دوليين.
وكان التدريب معاً، ووضع الخطط، وعمليات المغادرة، وإجراء عمليات التدقيق، ومن ثم إعادة التجميع مع الميسّرين والأجهزة العليا الأخرى لمراجعة أوراق العمل وتقارير التدقيق، فعّالاً جداً في تحسين جودة التدقيق وقدرة الأجهزة.
أنا أيضاً من أشدّ المؤمنين بفعالية شراكات التوأمة مع الأجهزة.
واستفاد فريق التدقيق في جزر كوك من علاقة قوية مع مكتب المدقق العام في نيوزيلندا الذي أرسى توأمة أيضاً مع مكتب التدقيق في ساموا. وتساعد شراكات التوأمة هذه الأجهزة الصغيرة في إحداث تأثير كبير.
وترسي أجهزة أخرى في المحيط الهادئ توأمة مع مختلف مكاتب التدقيق الأسترالية في المناطق والولايات والوطنية. وخلص تقييم مستقل أُجري أخيراً إلى أنَّ أكثر ترتيبات التوأمة قيمة هي تلك الطويلة الأجل، والممولة تمويلاً آمناً، والتي تشمل المشاركة المنتظمة، وعمليات نشر الموظفين في الاتجاهين. وأنا أعلم أنَّ الباساي تسعى جاهدة لضمان تحقيق كل هذه الشروط لمزيد من أعضاء المنظمة في الفترة الاستراتيجية القادمة.
وتحتاج هذه العلاقات إلى وقت للتطور والنضوج. ويتيح لنا التعرض التدريجي لنظم الإدارة المالية العامة الأكثر وظيفية تقدير كيفية عمل الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ضمن مخطط أوسع. ومن المهم معرفة المزيد عن مراجعات معايير التدقيق ومبادئ إشراك أصحاب المصلحة، ولكن الاتصال الموثوق مع شريك التوأمة يساعد حقاً على تفعيل جميع الدروس التي نتلقاها خلال التدريب الإقليمي.
وبين الزيارات الشخصية ومراجعات الأقران، يسمح لنا وجود فرصة منتظمة للالتقاء عبر الإنترنت كل أسبوعين مع زملاء تدقيق آخرين من أجهزتنا الشقيقة باستكشاف المشكلات وتجربة طرق جديدة.
كما ساعدتني المشاركة في سلسلة ندوات عبر الإنترنت حول نزاهة القطاع العام أنا ونظرائي في منطقة المحيط الهادئ على فهم كيفية عمل نظم الحوكمة الوظيفية. واستضافت هذه السلسلة جهات فاعلة إقليمية في مجال الإدارة المالية العامة مثل مفوّضي الخدمة العامة ورؤساء مكاتب أمناء المظالم وسفيرة النوايا الحسنة لمبادرة التعاون بين الانتوساي والجهات المانحة لاستقلالية الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (ورئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة) هيلين كلارك.
وفي عام 2021، في تقييم الإنفاق العام والمساءلة المالية، حصلت جزر كوك على درجة “د” للتدقيق التشريعي في تقارير التدقيق. ولم تكن أي من وزارات الحكومة تقدم التقارير السنوية إلى البرلمان حسب الاقتضاء. وعندما حصلنا في النهاية على البيانات المالية للحكومة بعد الموعد النهائي المحدد بوقت طويل، افتقدنا إلى قدرة الموظفين اللازمة لحشد الموارد الكافية لاستكمال عمليات التدقيق في الوقت المناسب.
وكما كان متوقعاً، انصبّ تركيز مكتبي، لبعض الوقت، على تصفية الأعمال المتأخرة الناجمة عن التدقيق وبناء القدرة التنظيمية. ومع هذا التركيز الداخلي، فقدنا على مضض الزخم في محاولة تعزيز الاستقلالية وزيادة المشاركة مع أصحاب المصلحة.
ومع ذلك، يسرّني القول إنَّه قد جرت إعادة تشكيل لجنة الحسابات البرلمانية في وقت سابق من هذا العام. ويقدم مكتبي الآن الدعم للجنة. ويبدو أنَّ الأيام التي لم تكن فيها عواقب على الجهات الحكومية صاحبة آراء التدقيق المعدَّلة المتعاقبة على حساباتها قد ولَّت. ومن المرجح أن يعود جزء كبير من هذا إلى تحديث البرلمان لأنظمته الدائمة في يوليو/تموز من العام الماضي، علماً بأنّنا بذلنا أيضاً جهوداً كبيرة للاستفادة من هذا الاهتمام المتجدد بعملنا.
وخلال فترة قصيرة، انتقلنا من عدم وجود حسابات للجنة حسابات برلمانية غير قائمة للمراجعة إلى طلب مشورتنا بشأن أي منها يجب إعطاؤه الأولوية للمراجعة. إنّه التأثير الكبير لجهاز أعلى صغير للرقابة المالية والمحاسبة.
ويحدوني الأمل للمنطقة في تمكين الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة كلها من تأدية واجباتها بالكامل وفقاً لما تقتضيه ولاياتها، وأن يجري تمكين الجهات التي لها دور تؤدّيه في نظام الإدارة المالية العامة على النحو الملائم، مما يوجد مساءلة مناسبة حيال استخدام الأموال العامة. وأنا أعلم أنَّ هذا لن يحدث على الفور، ولكنّني تعلَّمت أنَّ التغيير الإيجابي يمكن أن يحدث في بعض الأحيان أسرع بكثير ممّا كان متوقعاً.
إنَّ الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة الصغيرة حريصة ومصمِّمة على إحداث تأثير أكبر.
مع أطيب التمنّيات،
ديزموند ويلدين