الاستشراف والأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: التنقّل عبر الاتّجاهات العالمية

المصدر: لجنة الإشراف على الإنتوساي المعنية بالقضايا الناشئة

من إعداد: لوتشيانو سانتوس داني (محكمة الحسابات الفيدرالية في البرازيل)، وشارييل أ. غريزيسياك (مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي)، وكارلوس أ. سامبايو فريتاس (محكمة الحسابات الفيدرالية في البرازيل)، وأوانا كريستينا دوميتريسكو (محكمة مراجعي حسابات الاتحاد الأوروبي)، وآريان هوليزيك (ديوان المحسابة النمساوي)، وآنا كينيدي أوبراين (مكتب التدقيق الوطني في المملكة المتحدة)، وشورجو تشاترجي (مبادرة الإنتوساي للتنمية)، وآنا ماريا زيغيرويتز (محكمة مراجعي حسابات الاتحاد الأوروبي)، وعادل محمد أحمد رزق (الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر)

المقدمة

وفقاً للمركز العالمي للتميّز في الخدمة العامة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ينظر الاستشراف في المستقبل الممكن والمحتمل، فيولّد مرئيّات تسمح باتّخاذ إجراءات تحويلية في الوقت الراهن، وهي متوافقة مع المستقبل المكتشف.

وفي عصر يتّسم بالتحوّل السّريع، بات الاستشراف ضرورياً لتمكين المؤسسات العامة من توقّع التحديات والفرص الناشئة والاستجابة لها. وبالنسبة إلى الإنتوساي والأجهزة الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، تضمن هذه الأداة الاستراتيجية الملاءمة والقدرة على التكيّف في معالجة الاتّجاهات العالمية المعقّدة والمترابطة.

ومن خلال دمج الاستشراف في عملياتها، يصبح بوسع الأجهزة توفير الاستشراف، وتعزيز المساءلة، ودعم الحوكمة الرشيدة، بما يضمن بقاءها شريكاً قيّماً في السّعي إلى تحقيق التنمية المستدامة والمنصفة في المستقبل.

ويقدّم تقرير “التنقّل عبر الاتّجاهات العالمية: الآثار المستقبلية على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة“، الذي وافق عليه المجلس التنفيذي للإنتوساي في أكتوبر / تشرين الأول 2024، الآثار المحتملة على الإنتوساي ومجتمع الأجهزة نتيجة لعوامل التغيير الرئيسية التي ستستمر في التأثير على العالم في السنوات الخمس عشرة المقبلة، معيدةً تشكيل المجتمعات والحوكمة.

المنهجية

يجمع تقرير الاتّجاهات العالمية المعلومات من تقارير صادرة عن مؤسسات متعدّدة الأطراف ومراكز بحثيّة، فضلاً عن مرئيات من الهيئات العاملة التابعة للإنتوساي والمنظّمات الإقليمية.

ويهدف في المقام الأول إلى توفير الأساليب والمدخلات للتخطيط الاستراتيجي للإنتوساي، وكذلك إلى دعم الأجهزة في الاستعداد للقضايا الناشئة، لاسيّما تلك التي تتمتّع بموارد محدودة لإدارة مبادراتها الاستشرافية.

وفي ما يلي لمحة عامّة على الاتّجاهات السّبعة الضخمة التي جرى تحديدها وعرض للآثار المترتبة للنظر فيها، في حين يقدّم التقرير الكامل إيضاحات لاستكشاف منظور أوسع.

1. تآكل الثّقة

رغم أنَّ الدراسات تظهر أنَّ الناس يريدون أن يثقوا في المؤسسات، فإنَّ الثّقة في تراجع تدريجي في مختلف أنحاء العالم، بينما تتزايد نظريات المؤامرة. ويمكن أن تختلف الثّقة بين المؤسسات داخل البلد نفسه وبين بلدان مختلفة. وتآكل الثّقة في المؤسسات أمر خطير لأنّه قد يؤدي إلى تآكل القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

  • الآثار المترتبة على الحكومات والمجتمعات: ضعف الحوكمة؛ وانتشار المعلومات المضلّلة؛ وتراجع المشاركة المدنية؛ وتعريض التعاون الدولي للخطر.
  • الآثار المترتبة على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: تحديات في ضمان الشفافيّة واستقلالية الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة؛ والحاجة إلى التواصل الفعّال؛ وتعزيز مشاركة المواطنين للتخفيف من انعدام الثّقة.

2. التحديات الاقتصادية والدين

الاقتصاد العالمي حالياً عبارة عن مشهد معقّد ومتقلّب يتّسم بعدد من الاتّجاهات والتحديات الناشئة. وتشمل العوامل المحرّكة الرئيسية التي تؤثر في هذه الديناميكيات الوقع الاقتصادي المستمر لجائحة كوفيد-19، والتوترات الجيوسياسية الدولية المستمرة، والحاجة الملحة إلى الانتقال إلى اقتصاد مستدام، والظهور السّريع للتكنولوجيات الجديدة، وارتفاع الدين العالمي إلى مستويات غير مسبوقة، بما في ذلك اقتراض الحكومات والشركات والأفراد.

  • الآثار المترتبة على الحكومات والمجتمعات: يتعيّن علينا أن نوازن بين متطلبات خدمة الدين والإنفاق على التنمية، إلى جانب الجهود الرامية إلى تحقيق الإنتاج والاستهلاك المستدامين.
  • الآثار المترتبة على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: يجب أن تكون الأجهزة مستعدّة للتدقيق في المبادرات الحكومية الهادفة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والنمو، فضلاً عن إدارة الدين العام لضمان دقّة التقارير والممارسات المالية المسؤولة.

3. التحول الرقمي للحكومات والمجتمع

تعمل التكنولوجيات الرقمية على إحداث ثورة في الحوكمة، والاقتصاد، والتفاعلات بين المواطنين. ومن المتوقع أن يؤدّي التقدم السّريع والعميق إلى تسريع التغيرات في التطور العلمي وتوفير فرص غير مسبوقة للكفاءة، والخدمات الشّخصية، ومعالجة المشكلات المعقّدة.

ولكن هذه التطورات تنطوي أيضاً على مخاطر اجتماعية كبرى، إذ تشكّل في نهاية المطاف تهديدات محتملة للقيم والمصالح الإنسانية.

  • الآثار المترتبة على الحكومات والمجتمعات: تحسين تقديم الخدمات؛ وتهديدات الأمن السيبراني؛ والأمن السيبراني في مقابل الحريات المدنية؛ ومخاطر الاستبعاد الرقمي.
  • الآثار المترتبة على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: التحول الرقمي في الأجهزة؛ والتدقيق في النظم الرقمية؛ وبناء القدرات لعمليات التدقيق في تكنولوجيا المعلومات؛ ومعالجة المخاوف المتعلّقة بخصوصية البيانات.

4. تغير المناخ والأزمة الكوكبية الثلاثية

تشير الأبحاث الحالية إلى اختراق العديد من حدود الكوكب، الأمر الذي يؤشّر إلى بداية “أزمة كوكبية ثلاثية”1 تشمل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث. وتخلّف هذه الأزمات مجتمعةً آثاراً اجتماعية واقتصادية عميقة، وتؤثّر في كل جانب من جوانب الحياة على الأرض.

  • الآثار المترتبة على الحكومات والمجتمعات: زيادة مخاطر الكوارث والتكاليف المرتبطة بها؛ والفرص والمخاطر المرتبطة بالتحوّل الأخضر؛ والآثار الاجتماعية للأزمة، بما في ذلك الهجرات الجماعية.
  • الآثار المترتبة على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: ضمان الإدارة المسؤولة للموارد؛ والتعاون في تمويل المناخ؛ والتدقيق في تدابير التكيف.

5. اتّساع الفجوة الديموغرافية

تشير الفجوة الديموغرافية إلى التفاوت في الخصائص السكانية، خصوصاً التوزيع العمري، عبر مناطق أو بلدان مختلفة. وفي العقد المقبل، من المتوقّع أن تتّسع الفجوة الديموغرافية بشكل كبير بسبب تفاوت معدلات الولادات، وتقدّم السكان في السّن، وأنماط الهجرة. ومن المتوقّع أن يحدّد هذا التفاوت المشهد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العالمي بطرق عميقة.

  • الآثار المترتبة على الحكومات والمجتمعات: الاضطرابات السياسية والبطالة لدى الشباب؛ والتوتّرات المتعلّقة بالهجرة؛ والتحديات الاقتصادية؛ وازدياد الطلب على المساعدات الدولية والتعاون من أجل التنمية.
  • الآثار المترتبة على الأجهزة العليا للرقابة المالية: تحديات القوى العاملة في الأجهزة نفسها، وأهميّة أكبر في ما يتّصل بفعالية التدقيق وكفاءة البرامج الاجتماعية.

6. الهجرة العالمية

تتطلّب هذه الظاهرة الديناميكية المتطوّرة حوكمة قوية وقادرة على التكيّف بسبب عواقبها الاقتصادية، مثل تدفّقات العمالة، والتضخّم، ومستويات المعيشة، والموازنات الحكومية، فضلاً عن التحديات الأخلاقية والأمنية والمخاطر المجتمعية التي قد تهدّد القيم والمصالح الإنسانية.

  • الآثار المترتبة على الحكومات والمجتمعات: تفرض تحديات جديدة، مثل تعزيز الاستعداد للطوارئ والتعامل مع النظم الاجتماعية الهشّة.
  • الآثار المترتبة على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: سيتعيّن على الأجهزة تكييف ممارسات التدقيق لديها ومعالجة المخاطر الناشئة وتأثيرها على حياة المواطنين.

7. تزايد عدم المساواة

من الواضح أنّ عدم المساواة أمر مستمر ويزداد كثافة، سواء داخل البلدان أو في ما بينها. وكما أظهرت دراسات عديدة، فإنَّ اتّساع فجوة التفاوت يقوّض الثقة، ويحدُّ من قدرة المجتمعات على التغيير، ويخنق النمو الاقتصادي، ويفرض المزيد من الضّغوط على نظم الحماية الاجتماعية.

  • الآثار المترتبة على الحكومات والمجتمعات: القيود على النمو الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، والضغوط على التمويل العام، وتضاؤل التماسك الاجتماعي، والافتقار إلى الهوية المشتركة أو الأهداف المشتركة، وازدياد التصوّرات المختلفة من جانب المجموعات السكانية.
  • الآثار المترتبة على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة: المزيد من الطلب على التدقيق العام في الإجراءات الحكومية واستخدام الأموال العامة، والحاجة المتزايدة إلى الاتصالات الفعّالة مع أصحاب المصلحة، وإمكان أن يكون للتدقيق العام تأثير أكبر.

الخلاصة

ركّز الاجتماع السنوي للجنة الإشرافية على القضايا الناشئة في أكتوبر / تشرين الأول 2024 على مبادراتها اللاحقة، وشدّد على ضرورة تحسين التعاون الاستشرافي ضمن الأنتوساي. وشملت النقاشات الرئيسية تحديد التحديات الإقليمية وتعزيز الشّراكات مع مختلف هيئات الإنتوساي، بدءاً بلجان الأهداف.

ويبقى التواصل الفعّال وتجنُّب ازدواجية الجهود من الأمور الحاسمة لتحقيق النجاح. وعلى هذا النحو، قدّمت مجموعة خبراء اللجنة الإشرافية على القضايا الناشئة في مارس / آذار 2025 ندوات عبر الإنترنت إلى مجتمع الإنتوساي ككلّ لاستكشاف النتائج التي توصَّل إليها تقرير الاتّجاهات العالمية.

وتقوم اللجنة أيضاً في الوقت الراهن بإعداد وثيقة لتقديم التّوجيه بشأن كيفية دمج نتائج هذا التقرير في التخطيط التشغيلي والاستراتيجي للأجهزة كوسيلة لتمكين الإنتوساي والأجهزة من المحافظة على مرونتها وفعاليّتها في عالم سريع التطور.

لمعرفة المزيد عن اللجنة الإشرافية على القضايا الناشئة وعملها، الرجاء زيارة صفحة الويب المحدّثة هنا.

  1. مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي. الاتّجاهات العالمية 2040 (ص. 23) https://www.dni.gov/files/ODNI/documents/assessments/GlobalTrends_2040.pdf. أُجري التقييم في يوليو 2024. ↩︎
Back To Top