منتدى الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ذات المهام القضائية: أهمية دورها القضائي في المجال العام
من إعداد الدكتور ماوريسيو توريس، المدقق العام في جمهورية الإكوادور
تشكل الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ذات الوظائف القضائية حول العالم ما يقارب ربع أعضاء الإنتوساي. وبحسب بومب وآخرين (2022)، لا تقوم هذه الأجهزة بالتدقيق حصراً، بل تضطلع أيضاً بأدوار أساسية في الفصل القضائي وإدارة الأموال العامة. وقد باتت الأجهزة ذات الوظائف القضائية منارة للشفافية والمساءلة، إذ تقوم بالتدقيق، وتفرض عقوبات عند الكشف عن سوء إدارة أو مخالفات مالية في الإدارة الحكومية.
وسعى منتدى الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ذات المهام القضائية الذي انبثق من مجموعة عمل الإنتوساي المعنية بقيمة ومنافع الأجهزة إلى تسليط الضوء على الاختلافات الأساسية بين هذه الجهات. وشكَّل إنشاء المنتدى في باريس في 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 محطة رئيسية من خلال تحديد القيم والخصائص الأساسية للأجهزة ذات الوظائف القضائية. علاوةً على ذلك، التزم إعلان باريس الصادر في 9 ديسمبر / كانون الأول 2016، بمشاركة أربعين جهازاً أعلى للرقابة المالية والمحاسبة، بتعزيز القيم المشتركة ووضع برنامج عمل مشترك لتقوية حضور هذه الأجهزة ضمن الإنتوساي. وشمل ذلك دمج خصائصها في المعايير المهنية للمنظمة، ومراجعة المعايير المتعلقة بالأنشطة القضائية في إطار قياس أداء المنظمة، وتقوية استقلاليّة المدّعين العامّين أو القضاة في الأجهزة.
في هذا الصدد، تشكِّل مبادئ ممارسة المهام القضائية من طرف الأجهزة العليا للرقابة INTOSAI-P50 البالغ عددها 12 ركائز أساسية تحدِّد كيف ينبغي للإطار القانوني الوطني أن يزوِّد الأجهزة بالأدوات اللازمة لتنفيذ أنشطتها القضائية، وتالياً ضمان فعاليتها وشرعيتها واستقلاليتها. وتعزِّز هذه المبادئ قيمة الأجهزة ذات الوظائف القضائية ومنافعها (بومب وآخرون، 2022).
لذلك من المهم التّشديد على أنَّ السعي لتحقيق مقدار أكبر من الاستقلالية أمر أساسي، لأنَّه يمكِّن الأجهزة من العمل بدون تأثيرات غير ضرورية من سلطات الدولة. وهذا الإقرار منصوص عليه في إعلان المكسيك الذي يشمل الاستقلالية المؤسسية والوظيفية والمالية، ويضمن استقلالية الأجهزة في مختلف الأبعاد، ويتم تعزيزه في INTOSAI-P50 من خلال الدعوة صراحةً إلى استقلالية القضاة وقراراتهم. وتشكِّل هذه المبادئ الأساسية معاً إطاراً متيناً يسهِّل التشغيل الفعّال والعادل والمستقل، وتقوّي نزاهة القطاع العام وتحفِّز ثقة العموم في مؤسسات الرقابة وما يمكن أن تقدّمه الأجهزة ذات الوظائف القضائية.
وواجه مكتب المدقق العام في الإكوادور تحديات كبيرة من حيث الاستقلالية المالية والإدارية، مما أثَّر في عمله في مجال التدقيق. وشمل ذلك مناقشات دستورية واسعة النطاق ومنازعات قضائية لتعزيز الفصل بين المهام وتيسير الرقابة الفعّالة من جانب هيئة الرقابة الإكوادورية. ويمكن القول إنَّ هذه النزاعات تزداد حدّة وتتّضح في نموذج يسعى إلى المساءلة من خلال حالتين، الأولى مخصَّصة لمراقبة التدقيق والثانية للفصل في القضايا، حيث تعتمد مؤسسات الدولة ممارسات بعيدة عن الأخلاقيّات تحدُّ من الوصول إلى المعلومات اللازمة لأداء التدقيق أو للإشارة إلى المسؤوليات الجنائية، والأدلّة الأساسية للقضايا التي يتعيّن تقديمها إلى مكتب المدعي العام.
لذلك من الضروري أن نسلِّط الضوء في هذا المجال على بروز المنتدى وتطورِّه، وهو الذي أظهر أنّه لا يسعى حصراً إلى وضع معايير بشأن أفضل الممارسات في إطار ممارسة الوظائف القضائية للأجهزة العليا للرقابة المالية، بل يعزز أيضاً الحوار النشط لمكافحة المشكلات بفعالية ضد الاستقلالية والاحتيال والفساد وعدم الكفاءة، بما يتماشى مع المبادرات الأخرى للإنتوساي والمجموعات الإقليمية التابعة لها. ويعكس ذلك التزاماً مستمراً بتحسين إدارة الأموال العامة، وتوطيد إطار متين ومعقول وموثوق للنزاهة المالية، ويدعو إلى مناصرة الاستقلالية وتبادل المعلومات على الصعيد الدولي وبين المؤسسات من أجل تطوير العمليات القضائية في المسائل المدنية والإدارية، أو تلك التي تؤدي إلى مؤشرات تتعلَّق بالمسؤولية الجنائية.
ومن المهم الإقرار بجميع الخطوات التي اتّخذها المنتدى، لاسيما الاجتماع الذي عقد في بانكوك يومي 16 أكتوبر / تشرين الأول 2023 و17 منه، حيث ارتأى الأعضاء استحداث هيكل جديد للمنتدى، بما في ذلك JuriSAI باعتبارها جهة محتملة ملحقة. ومن شأن هذا أن يقرِّب منتدى الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة القضائية من الاعتراف الرسمي ضمن الإنتوساي.
ويشكِّل السَّعي إلى الحصول على اعتراف رسمي ضمن الإنتوساي واعتماد المبادئ التوجيهية INTOSAI-P50 خطوات أساسية للأجهزة ذات الوظائف القضائية لتعزيز دورها والامتثال القانوني في القطاع العام وعلى مستوى العالم.
ولن يقرَّ هذا الإنجاز بالمهمة الفريدة لهذه الأجهزة فحسب، بل سيسهِّل أيضاً اعتماد مبادئ INTOSAI-P50 وتطبيقها على نطاق أوسع، مما يسمح للأجهزة بتأدية مهمّتها وخدمة المصلحة العامة بمزيد من الاستقلاليّة والمهنيّة.
ماوريسيو توريس، دكتوراه.