تنفيذ التوصيات ومتابعة التدقيق: تحديث المستودعات الحكومية في المملكة العربية السعودية
شارك في الإعداد عبد العزيز العريفي ومشاري أ. المنيف، ديوان المحاسبة العام، الديوان العام للمحاسبة في المملكة العربية السعودية
الخلفية
في هذا العصر الذي يشهد تطورات سريعة في مجالات التكنولوجيا والتحديات الإدارية المتزايدة، ثمّة حاجة متنامية لتحديث أنظمة التدقيق لتعزيز الشفافيّة والكفاءة في إدارة الموارد العامة. واعتمدت المملكة العربية السعودية لعقود من الزمن على قواعد وإجراءات المستودعات الحكومية التي اعتُمِدَت في عام 1983، والتي كانت في ذلك الوقت مناسبة وفعّالة وفقاً للمعايير والمتطلبات. وقد وفّرت هذه القواعد والإجراءات التي جرى تنفيذها تحت إشراف وزارة المالية أساساً متيناً لإدارة الموارد بكفاءة وفعاليّة. في هذا السياق، أدّى الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة في المملكة (الديوان العام للمحاسبة) دوراً محورياً في قيادة التحول الرقمي وتحديث الأنظمة من خلال المشاركة الفعّالة في إعادة هيكلة أنظمة المستودعات الحكومية وتطويرها. وتمّ إصدار آخر هذه اللوائح في عام 2020، ودخلت حيز التنفيذ بعد التواصل مع السلطات الحكومية، وأبرزها وزارة المالية من جهة، والسلطات العليا من جهة أخرى. وشملت هذه العملية إدخال أنظمة مؤتمتة متطورة، وتحسين الإجراءات الحكومية، وتفعيل الحوكمة الإدارية وفقاً لأفضل الممارسات، مما ساهم في تحسين العمليات والخدمات الحكومية بشكل كبير.
وتهدف هذه المقالة إلى توضيح كيفية دعم تنفيذ توصيات التدقيق بفعاليّة ومتابعة تنفيذها. ويشكِّل هذا النهج مثالاً بارزاً على أهميّة الابتكار والحوكمة واعتماد أفضل الممارسات في تحديث النظم الوطنية للتدقيق. وفي الماضي، واجهت إدارة المستودعات تحديات كبيرة ناجمة عن عدم وجود لوائح وإجراءات فعّالة، ممّا أثّر سلباً في كفاءة عمليات التخزين وفعاليّتها، حيث تمثلت التحديات الرئيسية في جانبين أساسيين:
- الجانب التنظيمي: اعتُبِرَت اللوائح المتَّبعة منذ ثمانينيات القرن العشرين قديمة وغير مواكبة للتطورات الإدارية والمالية الحديثة.
- جانب العمل: لم تكن هناك إجراءات عملية واضحة ومنظّمة في الأساليب القديمة لإدارة المستودعات، ولم تكن الضوابط فعّالة على النحو المناسب، مما أدّى إلى سوء استخدام الموارد.
التوصيات المعتمدة:
من بين هذه التحديات، حدَّد الديوان العام للمحاسبة توصيات عدّة جرى تنفيذها لتحسين إدارة المستودعات الحكومية في المملكة العربية السعودية.
الأنظمة المؤتمتة لإدارة المستودعات: في السابق، كانت إدارة المستودعات تعتمد على الإجراءات الورقية التي تلبّي الاحتياجات الأساسية للتخزين والمتابعة. ومع ذلك، فإنَّ هذه الإجراءات، رغم فعاليّتها في ذلك الوقت، بدأت تظهر أوجه قصور مع تقدُّم التكنولوجيا وزيادة متطلبات المراقبة والرصد، مما أدّى إلى تعقيدات لم تعد الأنظمة الورقيّة فعّالة معها.
ويلزم وضع نظام مؤتمت جديد لإدارة المستودعات للوفاء بالإجراءات الحديثة لإدارة المستودعات. كما ترافق هذا التحديث مع إضافة متطلّبات لترميز عناصر المستودعات برمز الاستجابة السريعة، حيث يُعدُّ هذا من أهم وسائل تحسين الإشراف والرقابة على حركة العناصر وتسهيل الإجراءات. كما يوصي الديوان العام للمحاسبة المستودعات الحكومية باعتماد طريقة “الداخل أولاً يخرج أولاً” في إجراءات إدارة المستودعات.
بوابة التحويلات: جرى إنشاء صفحة جديدة على البوابة الإلكترونية للجهة الحكومية حيث يتمُّ عرض العناصر البطيئة والمُعادة من مستودعات الجهة لتمكين الجهات الحكومية الأخرى من الاستفادة منها أو بيعها.
نماذج المستودعات: يجري تطوير نماذج إدارة المستودعات وأتمتتها بالكامل بحيث يتم تسجيل عناصر المستودعات وتتبُّعها لزيادة القدرة على الإشراف عليها وتقليص الهدر المالي.
أتمتة نموذج عدِّ المخزون وإجراءاته: إنَّ أتمتة إجراءات عدِّ المخزون بجميع أشكاله، سواء كانت كاملة أو جزئيّة، دوريّة أو مستمرة، هي عملية تتمتّع بالكفاءة والفعاليّة لناحية التكلفة. ويجري تفعيل إجراءات الحوكمة في عمليات عدِّ المخزون وربطها بالنظم المؤتمتة.
وقد ساهمت هذه الأتمتة في تسريع عدِّ المخزون وجعلت من السهل احتسابها بواسطة رموز الاستجابة السريعة، سيّما وأنَّ نماذج عدِّ المخزون مؤتمتة هي أيضاً. ويجعل هذا المصادقة الإلكترونية للنماذج أسهل لمشاركة نسخ من نماذج عدِّ المخزون، وعدِّ محاضر اللجنة، وإرسال التقارير النهائية إلى الديوان أوتوماتيكياً.
وترافقت جميع عمليات التطوير والتشغيل المؤتمت للمستودعات الحكومية المذكورة أعلاه مع استثمارات الديوان في تطوير نظام تدقيق متكامل يضمن الاستفادة القصوى من بياناته الضّخمة. ويتكامل هذا النظام مع أنظمة المستودعات الخاصة بالجهات الحكومية وهو قادر على تفسير جميع نماذج المستودعات وتحليلها، وإصدار تقارير مفصَّلة تساعد في أداء عمليات التدقيق ووضع أنسب التوصيات للجهات الحكومية في ما يتعلق بالمخازن الحكومية.
تحديث الهيكل التنظيمي لوحدات المستودعات: مع تغيُّر المتطلبات الإدارية والتكنولوجية، برزت الحاجة إلى هيكل تنظيمي أكثر مرونة وكفاءة. وقد أُعيدت هيكلة وحدات المستودعات من الناحية التنظيمية لربطها بالإدارات الحكومية و/أو الشعب و/أو الإدارات التابعة لها، وهي الآن منظّمة على أساس عبء العمل ومتطلِّبات كل جهة حكومية. ويهدف هذا التحول الهيكلي إلى مواكبة التطورات المتسارعة وتعزيز الكفاءة الإدارية، حيث يتمُّ تحديد التبعية الإدارية لوحدة المستودعات بناءً على طبيعة المهام والتخصُّص والتركيبة الإدارية لكل جهة. ويسمح هذا التغيير بتوزيع المهام على نحو أكثر فعاليّة، وتعزيز الاستجابة السريعة للاحتياجات التشغيلية، والحد من البيروقراطية. وتعزِّز الصلة الوظيفية بين المستودعات والإدارات الأخرى، على غرار المشتريات والشؤون المالية، التكامل والتنسيق بين مختلف الأنشطة، مما يسهِّل تبادل المعلومات ويحسِّن إدارة الموارد.
تحديث مسؤوليات موظفي المستودعات: جرى تنقيح مسؤوليات موظفي المستودعات الحكومية وبعض سندات الملكية. فعلى سبيل المثال، لم تعد هناك حاجة إلى وظيفة “كاتب بطاقات البنود”. وحسب الاقتضاء لتلبية احتياجات التغيرات التكنولوجية، جرت أتمتة هذه الوظائف أو الأدوار، بالإضافة إلى تحويل الجهود والتركيز إلى مجالات أخرى من إدارة المستودعات الحكومية والإشراف على العمليات، مما ساهم في تطوير الموظفين، من حيث سرعة العمل ودقّته.الأحكام العامة: نظراً إلى الخبرة المتراكمة لدى الديوان العام للمحاسبة في تطبيق أفضل الممارسات في مجال الإشراف، تمَّت إضافة بعض الأحكام العامة والهامة، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- وضع متطلبات الأنظمة المؤتمتة للمستودعات الحكومية لاستيعاب وإدارة جميع أنواع المستودعات وتصنيفها حسب النوع والموقع والحوكمة وتقسيم السلطات في الأنظمة المؤتمتة (مثل: مراقبة “الصّانع” و”المدقِّق”)؛ وعدم قبول التعديلات على المذكرات والمحاضر بعد الموافقة عليها؛ والتسجيل الفوري ومطابقة عمليات الاستلام والصرف؛ والقدرة على استخراج جميع أنواع التقارير؛ والمتطلبات الأخرى التي تضمن أقصى مقدار من الفوائد من أنظمة التخزين المؤتمتة.
- إضافة متطلبات المساحة والسلامة لوحدات المستودعات، مثل الاستخدام الأمثل للأرضيات والمساحات، وتوفر معدات المناولة وسهولة الحركة، وتجهيز المستودعات بأنظمة الحريق والأمن والسلامة، وغيرها من المتطلِّبات المهمة.
- فصل مكاتب الإدارة وموظفي الإمداد عن المستودعات، باستثناء مكتب أمين المستودع أو ضابط الحراسة، والتي قد تقع على مقربة من مناطق الاستلام والصرف. وتكفل هذه الأحكام العامة الاستفادة القصوى من المستودعات والاستثمار الأمثل للأموال والجهود العامة.
ويتجاوز دور الديوان الجوانب المالية ليشمل أيضاً التحقُّق من العديد من الجوانب غير المالية الحاسمة التي تؤثِّر في الأداء العام للمستودعات، بما في ذلك:
- مواقع المستودعات: تحليل ما إذا كانت المواقع مناسبة للوظائف المتوقّعة، مما يساهم في تحسين الكفاءة اللوجستية.
- الالتزام بتطبيق جميع المتطلبات: ضمان التزام جميع الجهات بالمعايير المعمول بها وأنظمة الأتمتة المعتمدة، وضمان الفعاليّة والتطوير المستمر.
- ملاءمة المستودع: تقييم مدى ملاءمة المستودعات لاحتياجات التخزين والتشغيل لضمان أقصى مقدار من الفعاليّة.
- كفاءة العنصر البشري المسؤول: التحقُّق من مستوى أداء الموظفين المسؤولين عن إدارة المستودعات وتقييم فعاليتهم ومؤهلاتهم لتأدية مهامهم
ومن خلال هذه الجهود، يعمل الديوان على تعزيز الإشراف والشفافيّة، وتحسين الأداء العام لوحدات المستودعات. ويسلِّط هذا الدور الشامل الضوء على أهمية الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة، ليس فقط كهيئة إشرافية، وإنّما أيضاً كركيزة أساسيّة في دعم العمليات الحكومية وتحسينها.
من العناصر الأساسيّة لنجاح التوصيات المقترحة المتابعة الدقيقة لضمان تنفيذها الفعّال. في هذا السياق، يضّطلع الديوان العام للمحاسبة بدور نشط في استعراض تنفيذ التوصيات من خلال التعاون المباشر مع الجهات الحكومية ذات الصلة. وتشمل المتابعة الزيارات الميدانية التي يقوم بها المتخصصون في الديوان للتحقُّق من تنفيذ اللوائح والإجراءات على أرض الواقع. إلى ذلك، يتمُّ جمع الوثائق والأدلَّة اللازمة لتقييم مدى التقدم المُحرز. ويجري تقديم تقارير دورية إلى الجهات العليا للتأكد من أنَّ النتائج المتوقَّعة تحقِّق الأهداف المرجوَّة وتحديد أي عقبات قد تؤثر في الفعاليَّة المطلوبة.
الخلاصة:
شهدت المستودعات الحكومية في المملكة العربية السعودية تحوّلات جوهرية بفضل الأنظمة الحديثة وإدخال أدوار التدقيق والحوكمة. وتمكّنت الجهات الحكومية من تعزيز كفاءة العمليات وتحقيق مستويات عالية من الشفافيّة والفعاليّة. وقد ساهم الرصد المستمر والتقييمات المكثّفة بشكل كبير في تحسين الأداء العام للمستودعات. ولم يؤدِّ هذا التحول إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية فحسب، بل رفع أيضاً مستوى استخدام الموارد، مما يدلُّ على أهمية الدور الذي تؤدّيه الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في تقديم التوصيات التي تضيف قيمة إلى الجهات الحكومية.