من إعداد: آري كريستيانا، مدققة في مجلس التدقيق في إندونيسيا
تغير المناخ من القضايا البيئية السائدة التي يواجهها العالم في الوقت الحاضر. كما يشكِّل أحد أكبر التحديات التي تواجهها البشرية، لأنه يؤثر في كل بلد ويخلّف آثاراً مدمرة على المجتمعات والأفراد. وتغير المناخ هو تحول كبير في درجة الحرارة وهطول الأمطار والمناخ يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، ودرجة حرارة أكثر دفئاً، وفيضانات، وكذلك إلى تغيرات تدريجية في الأنواع وموائل الكائنات الحية الأخرى. وتعتبر البلدان النامية، لاسيما الدول الجزرية الصغيرة النامية، الأكثر تأثراً بتغير المناخ والأقل قدرة على تحمل عواقبه. وتواجه إندونيسيا أيضاً، باعتبارها دولة أرخبيل تضم أكثر من 17,000 جزيرة، معظمها صغيرة، مخاطر عالية جداً نتيجة تغير المناخ.
ويركز اتفاق باريس الذي اعتمدته 196 دولة، بمن فيها إندونيسيا، على منع ارتفاع متوسط الحرارة العالمية بدرجتين مئويتين، ومواصلة الجهود لإبقائه دون 1.5 درجة مئوية. كما يهدف إلى زيادة القدرة على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ والتطوير المحدود لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
ولتنفيذ اتفاق باريس، أعدَّت إندونيسيا مساهمة وطنية محدَّدة تتضمن أهدافاً لخفض انبعاثات الكربون حتى عام 2030، إلى جانب خطط عمل للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه. كما وضعت هدفاً للتخفيض غير المشروط بنسبة 29 في المئة وهدفاً للتخفيض المشروط بنسبة 41 في المئة لسيناريو العمل كالمعتاد بحلول عام 2030. ويتم تنفيذ الهدف من خلال إجراءات تخفيف مثل إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، واستعادة أراضي الخث، وسياسة مزيج الطاقة.
ويتمثل هدف التكيف مع تغير المناخ في إندونيسيا في الحد من المخاطر، وتعزيز القدرة على التكيف، وتقوية القدرة على الصمود، والحد من التعرض لتغير المناخ في جميع قطاعات التنمية. وسيتم تحقيق هذا الهدف من خلال جملة أمور منها تعزيز محو الأمية المناخية، وتقوية القدرات المحلية، وتحسين إدارة المعرفة، واعتماد سياسات متقاربة بشأن التكيّف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث، وتطبيق تكنولوجيا تكيّفيّة.
ووفقاً لبيانات وكالة الأرصاد الجوية والمناخية والجيوفيزيائية في إندونيسيا، فإنَّ معظم الكوارث الناجمة عن تغير المناخ هي مائية، مثل الفيضانات والعواصف والانهيارات الأرضية والزوابع. إلخ. وتعتبر الجزر الصغيرة عُرضة بشكل خاص لآثار تغير المناخ. ولسوء الحظ، تفتقر معظم الجزر الصغيرة إلى البنى التحتية الملائمة مثل النقل والمرافق الصحية. لذلك غالباً ما تكون المجتمعات المحلية متخلفة نسبياً من حيث الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. نتيجةً لذلك، ستواجه هذه المجتمعات مخاطر أكبر بكثير لآثار تغير المناخ. ويتعين على الحكومة اتخاذ إجراءات ملموسة لتعزيز قدرة المجتمعات المحلية الواقعة في المناطق المعرضة للكوارث على الصمود، بوسائل منها ما يلي:
- تقوية نظم الإنذار المبكر والاستجابة في حالات الطوارئ للكوارث في المجتمع المحلي
- تقوية بيانات الضعف وتحليلها
- تقوية جاهزية النظم الصحية
- تعزيز التواصل والمعلومات والتعليم للمجتمعات المحلية لزيادة الوعي بمخاطر الكوارث الناجمة عن تغير المناخ.
ويضطلع الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة في إندونيسيا، من خلال صلاحية التدقيق، بدور محوري في ضمان قيام الحكومة بتنفيذ إجراءات التكيّف مع تغير المناخ على النحو المناسب، لاسيما في الجزر الصغيرة والمناطق المعرضة للكوارث. ويتعين إجراء عمليات التدقيق لتقييم إجراءات التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيّف معه بصورة روتينية. لذلك يمكن أن يقدم الجهاز توصيات شاملة إلى الحكومة لكي تنفذ إجراءات التكيّف مع تغير المناخ بشكل جيد وتحدث أثراً على المجتمع المحلي.
وفي السنوات الأخيرة، أجرى الجهاز بشكل روتيني عمليات تدقيق تتعلق بتغير المناخ، خصوصاً في ما يتعلق بالتخفيف، على غرار التدقيق في سياسات مزيج الطاقة، ومنع إزالة الغابات، وإعادة تأهيلها. في الوقت نفسه، لم تتم عمليات التدقيق المتعلقة بإجراءات التكيّف مع تغير المناخ، لاسيما في الجزر الصغيرة، بطريقة متكاملة.
ويواجه إتمام عمليات التدقيق في الجزر الصغيرة تحديات عدّة تتطلب إعداداً كافياً. وتشمل هذه التحديات ما يلي:
- إمكان الوصول المحدود. يصعب الوصول إلى العديد من المناطق النائية بسبب نقص مرافق النقل والبنية التحتية، وارتفاع تكلفة السفر.
- البنى التحتية غير الملائمة، لاسيما البنى التحتية للطاقة وشبكات الاتصالات.
- الموارد المحدودة. عدد المدققين والوقت المخصص للتدقيق محدود، في حين أنَّ عدد الجزر أو المناطق التي يتعين فحصها كبير جداً. ونظراً إلى محدودية إمكان الوصول، ستستغرق عمليات التدقيق في الجزر الصغيرة وقتاً أطول. ويجب أن يكون المدققون قادرين على تحديد أولوية التدقيق بناءً على مخاطره.
يمكن أن يساهم استخدام التكنولوجيا في التغلب على بعض التحديات المذكورة أعلاه. فعلى سبيل المثال، في السنوات الأخيرة، استخدم الجهاز على نطاق واسع نظام المعلومات الجغرافية، بما في ذلك استخدام العلامات الجغرافية وصور الأقمار الصناعية، وتقنية مؤتمرات الفيديو، والبيانات الضخمة لدعم عملياته في مجال التدقيق.
وتتعلق المعلومات الجغرافية المكانية بموقع محدَّد، وتربط كل جهة أو ظاهرة بموقع دقيق على الأرض. وتسمح لنا الأدوات الحاسوبية هذه بتخزين البيانات من مصادر مختلفة ودمجها وتحديثها وتصوّرها وتحليلها وإنشاء قواعد بيانات مرجعية جغرافية وخرائط بحسب الموضوعات.
ونشرت الإنتوساي المعيار الدولي للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة رقم 5540 الخاص باستخدام المعلومات الجغرافية المكانية في التدقيق في إدارة الكوارث والمساعدات المتعلقة بالكوارث. والغرض من المعيار هو شرح فوائد استخدام المعلومات الجغرافية المكانية في أعمال التدقيق، وهو يدخل نظام المعلومات الجغرافية كأداة للتدقيق ويشجع المدققين على تحسين استخدام المعلومات الجغرافية المكانية في عملهم (الإنتوساي، 2013).
وخلال العامين الماضيين، استخدم الجهاز الإندونيسي وضع العلامات الجغرافية وصور الأقمار الصناعية لضمان زرع جميع الأشجار في إطار برنامج إعادة تأهيل الغابات كما هو مخطّط. كما استخدم تقنية مؤتمرات بالفيديو لإجراء الاختبارات عن بعد لتطوير البنى التحتية للطرق والطاقة.
وفي عمليات التدقيق المتعلقة بالتكيُّف مع تغير المناخ في الجزر الصغيرة، يمكن أن يساهم استخدام نظام المعلومات الجغرافية، على سبيل المثال، في التأكيد على زراعة المنغروف عن بعد من أجل الحد من مخاطر الكوارث وضمان زراعة المحاصيل على نحو سليم. وجرى استخدام نظام المعلومات الجغرافية في عملية التدقيق لتحديد موقع كل شجرة من أشجار المانغروف المزروعة في المنطقة المخططة. ولفحص عملية الزراعة، تعيّن على الجهة الخاضعة للتدقيق أخذ صورة معلّمة جغرافياً لكل شجرة. بعد ذلك، فحص المدقق جميع الصور ذات العلامات الجغرافية التي جرى تقديمها عن طريق استخراج الإحداثيات الجغرافية لجميع الصور وتحويلها إلى بيانات متّجهات ومن ثم مقارنتها ببيانات متّجهات المنطقة المخططة. وإذا لزم الأمر، كان في الإمكان إجراء الفحص المادي للتحقق من صحة الصور ذات العلامات الجغرافية على أساس عينة.
وبعد 5 أعوام أو أكثر، يمكن للجهاز إجراء مراجعة على سبيل المتابعة، وإعادة فحص صور الأقمار الصناعية أو الصور الجوية لتقييم معدل نجاح برنامج زراعة أشجار المانغروف.
في الوقت نفسه، أدى استخدام تقنية مؤتمرات الفيديو إلى تحسين الطريقة التي ينفذ بها الجهاز الإندونيسي عمليات التدقيق المتعلقة بالمناخ. واستخدم المدققون تقنية مؤتمرات الفيديو لتيسير التواصل مع مسؤولي الجهات وإجراء الفحوص المادية وعمليات التدقيق عن بعد.
غير أنّ هناك أيضا تحديات تواجه المدققين في استخدام التكنولوجيا، لاسيما في عمليات التدقيق المتعلقة بتغير المناخ والجزر الصغيرة. كما يشكل انقطاع الإنترنت عقبة رئيسية. وفي بعض الأحيان، لا يكون اتصال الشبكة موثوقاً جداً. لذلك قد تواجه الجهات الخاضعة للتدقيق صعوبة في تقديم الأدلة. ويتعين على المدققين النظر في هذه المخاطر في مرحلة التخطيط للتدقيق واستكشاف الإجراءات البديلة.
ومن المتوقع أن يتسنى، بمساعدة التكنولوجيا، إجراء عمليات تدقيق في التكيف مع تغير المناخ في الجزر الصغيرة على نحو أكثر تواتراً وشمولية. ويمكن تالياً أن يحدِّد الجهاز توصيات حتى يكون في الإمكان تحسين إجراءات التكيّف وتنفيذها بفعالية وكفاءة. ويتّسم هذا بأهمية خاصة بالنسبة إلى إجراءات التكيّف في الجزر الخارجية الصغيرة والمناطق المعرضة للكوارث. وفي النهاية، تؤدي الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة دوراً في ضمان تحقيق أهداف التكيّف مع تغير المناخ في بلدانها تتمثل في الحد من المخاطر، وزيادة القدرة على التكيّف، وتعزيز القدرة على الصمود، والحد من التعرض لتغير المناخ في جميع قطاعات التنمية.
عن الكاتبة:
آري كريستيانا، مدققة في مجلس التدقيق في إندونيسيا، حائزة على بكالوريوس من كلية المحاسبة الحكومية (STAN) في عام 2000، وعلى ماجستير من جامعة إندونيسيا في عام 2005.