“ماسح المناخ” – منهجية مبتكرة للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة لرصد الإجراءات الحكومية بشأن تغير المناخ
من إعداد: بولا هيبلينغ دوترا، هوغو تشوديسون أروخو فريري، كارلوس إدواردو لوستوسا دا كوستا، داشيل فيلاسك دا كوستا، رافائيل لوبيز توريس، سينتيا زايرا ميسياس دي ليما، جواو باولو خورخي دي أوليفيرا، سينتيا ألفيم لاج، ديان رودريغيز دوس ريس
المقدمة
برز تغير المناخ كواحد من أكثر التحديات إلحاحاً وحراجةً في عصرنا، مع آثار عميقة على النظم البيئية والاقتصادات والمجتمعات على مستوى العالم. ولا تؤثِّر هذه القضية المتعدِّدة الأوجه على أنماط الأحوال الجوية فحسب، بل تشكِّل أيضاً تهديداً خطيراً على صحَّة الإنسان والأمن الغذائي والاستدامة في المدى الطويل. ومع تزايد تواتر الكوارث المرتبطة بالمناخ وشدَّتها، بات من الواضح بشكل متزايد أنَّ التصدي لتغير المناخ يتطلَّبُ عملاً قوياً وحلولاً مبتكرة على نطاق لم يسبق له مثيل.
وسيتطلَّب الحد من ارتفاع درجة الحرارة والتكيُّف مع آثار تغير المناخ، وفق ما يطمح إليه اتفاق باريس، جهداً مشتركاً كبيراً يشمل المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والشركات وجميع مستويات الحكومة.
وتؤدّي الحكومات الوطنية دوراً بارزاً في العمل المناخي من خلال تخصيص الموارد العامة، وتصميم السياسات العامة وتنفيذها، وتنسيق الجهات الفاعلة المختلفة من خلال آليات الحوكمة في السعي لتحقيق هدف مشترك ألا وهو التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة وتعزيز التكيُّف مع آثار تغير المناخ.
وينبغي أن تنضمَّ الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة كذلك إلى هذا الجهد. وتتحمَّل الأجهزة مسؤولية كبيرة في ضمان المساءلة والشفافيّة في جميع مجالات الحكومة، وكذلك في المبادرات المناخية. ويمكنها تقديم معلومات موثوقة ومستقلة عن استخدام الموارد العامة وأداء السياسات في مجال تغير المناخ، مما يساهم في تحسين تلك السياسات.
ويؤكّد وصف تغير المناخ بأنه “مشكلة شريرة” على ضرورة الاستجابات الدولية المنسَّقة، لأنَّ آثاره بعيدة المدى، وله وقع مهم على الميزانيات العامة، ويتطلَّب جهداً جماعياً يتجاوز الحدود الوطنية. ويؤدي تطوير الأطر الدولية، مثل اتفاق باريس (بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ) وأهداف التنمية المستدامة – مع تركيز الهدف 13 بشكل خاص على العمل المناخي – إلى توفير ركيزة أساسية للجهود الوطنية ويحفِّز الحكومات على الالتزام باستراتيجيات مناخيّة طموحة.
وتوفِّر مجالات مثل تغير المناخ، والتي تحدِّد فيها الاتفاقات الدولية بشكل كبير شكل العمل الوطني للحكومة، فرصة للتعلّم المتبادل، والتبادل والأهم من ذلك، العمل المنسَّق لتعزيز التأثير.
وفي هذا السياق، يبرز “ماسح المناخ” كأداة مبتكرة للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة لتتبُّع الإجراءات الحكومية الوطنية المتعلِّقة بتغير المناخ وتقييمها ورصدها. وتقدِّم المنهجية مرئيّات في ثلاثة مجالات محورية هي الحوكمة والسياسات العامة والمالية، وتصنِّف هذه الأبعاد إلى 19 عنصراً و62 بنداً يجري تقييمها بناءً على مستويات التنفيذ. وتعتبر المعايير المستخدمة في التقييم مشتركة وقابلة للتطبيق على جميع البلدان وتأخذ في الاعتبار خصوصيات السياسات المحلية.
الفرص والتحديات التي ينطوي عليها نهج “ماسح المناخ”
- الوقت: يعتمد تصميم “ماسح المناخ” على منطق تقييم سريع، وهو استعلام نوعي / كمّي مكثَّف قائم على الفريق باستخدام التثليث، وتحليل البيانات التكراري، وجمع البيانات الإضافية لتطوير فهم قائم على الأدلّة لوضع معيّن.
- التغطية الواسعة: في حين أنَّ النطاق الأوسع الذي يوفِّره “ماسح المناخ” يعطي رؤية شاملة للغاية للعمل المناخي، فإنَّه يتميِّز أيضاً عن عمليات التدقيق التقليدية من خلال عدم الخوض بعمق في قضايا محدَّدة. ومع ذلك، يبدو كطريقة جديدة لإجراء تحليل أفقي ونظامي. وتخفَّف هذه الميزة العبء على المدققين، مما يسمح لهم بتكوين فهم واسع النطاق لحوكمة المناخ دون العمليات الطويلة النموذجية لعمليات التدقيق الشاملة.
- الجدارة بالثقة: مع ذلك، يشكِّل نهج التقييم تحدياً، أي موازنة الحاجة إلى مرئيات سريعة مع حتميَّة المحافظة على دقّة التقييم وموثوقيّته. ومن أجل الحفاظ على الجودة العالية للتحليل، سيتعيَّن على المدققين الاعتماد مرات عديدة على حكمهم المهني. كما أنَّ الاستنتاج الذي خلص إليه التقييم في بعض الموضوعات ربما يؤشِّر إلى الحاجة إلى مزيد من العمل حتى يتسنّى ضمان إجراء تقييم موثوق.
- قابلية الانطباق: تتمثَّل إحدى المزايا الهامة لمنهجية “ماسح المناخ” في انطباقها على جميع الأجهزة العليا، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. ويعني الإطار المشترك الذي توفِّره أنَّ الأجهزة الأصغر حجماً التي قد تكون لديها قدرة محدودة على التعامل مع قضايا المناخ المعقَّدة، قادرة بسهولة على اعتماد المنهجية بأقل مقدار من الموارد. وهذا يشجِّع على الشمولية في جهود المساءلة المناخية عبر سياقات وقدرات مختلفة.
- المرونة وقابلية التكيُّف: توفِّر الالتزامات المناخية الدولية – مثل تلك المحدَّدة في اتفاق باريس – معياراً موحّداً للبلدان، وتضع خطّ أساس لتوقُّعات العمل المناخي. ومع ذلك، تضمن مرونة منهجية برنامج “ماسح المناخ” إمكان تكييف التقييمات حسب الظروف الخاصَّة بكل بلد. وتكتسب قابلية التكيُّف هذه أهمية بالغة للمشاركة المجدية في السياسات المناخية الوطنية، وتوفِّر للبلدان إمكان التعلُّم من تجارب بعضها البعض.
- التوحيد العالمي: علاوةً على ذلك، يدعم برنامج “ماسح المناخ” توحيد البيانات، مما يسمح على السواء بإجراء تحليلات وطنية وإقليمية وعالمية. وحتّى مع استيعاب البيانات لظروف وطنية محدَّدة، يتيح تجميع البيانات من سياقات متنوعة مرئيات ووجهات نظر بشأن التقدُّم العام نحو تحقيق الأهداف المناخية.
- السريّة: مع ذلك، لا يزال التحدي المتمثِّل في الحفاظ على سريّة المعلومات الحسّاسة قائماً. فبعض البيانات التي يتمّ جمعها لأغراض التقييمات الوطنية قد لا تظهر في التقارير العامة ولكنَّها لا تزال تساهم في تحليلات أوسع نطاقاً. ويتعيَّن على الأجهزة دراسة هذا التوازن الدقيق لضمان الإبلاغ الشامل مع احترام اعتبارات الخصوصيّة والأمن القومي.
- الدورية: من خلال السّماح بإجراء تقييمات دوريّة، يسهِّل “ماسح المناخ” التتبُّع المستمر لحوكمة المناخ وسياسته وتمويله مع مرور الوقت. ويمكِّن هذا الأجهزة من تقييم التقدُّم المُحرز بطريقة موضوعية، وإحداث تغييرات في السياسة، ومساءلة الحكومات عن التزاماتها.
- التعاون الدولي: مع ذلك، يكمن أحد التحديات الحاسمة في المحافظة على زخم هذه الجهود؛ ورغم تدريب 144 جهازاً و240 مدققاً في عام 2024، يتطلّب الحشد المستمر لمجتمع الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة مشاركة مستمرة من خلال التعاون النشط مع الإنتوساي والمنظمات الإقليمية. وسيكون الدعم من الأقران وتقاسم الموارد أمراً أساسياً لتعزيز وجود مجتمع أجهزة نشط ومطَّلع مكرَّسٍ لقضايا تغير المناخ.
- التواصل: يفتح تنفيذ “ماسح المناخ” أيضاً قنوات تواصل جديدة للأجهزة، ممّا يسهِّل المشاركة مع المجتمع والأوساط الأكاديمية وأصحاب المصلحة الآخرين. ومن خلال العمل كأداة تواصل فعّالة، يمكن أن تضمن الأجهزة نقل استراتيجيات العمل المناخي بوضوح، ومساءلة صنّاع السياسات عن التزاماتهم. ويعمل توفير معلومات موثوقة وسهلة الفهم بشأن السياسات المناخية المعقَّدة والتمويل على تعزيز الشفافيّة والمساءلة في الإجراءات الحكومية، وكذلك للوصول إلى جماهير أوسع مثل أعضاء البرلمان ووسائل الإعلام ومراكز الفكر وغيرها.
- التخطيط: “ماسح المناخ” ليس مجرَّد أداة تتبُّع، بل هو أيضاً آلية لتصميم استراتيجية قوية للأجهزة في مجال تغير المناخ. كما يمكن للمعلومات التي يتمّ جمعها في التقييم أن تسهِّل إلى حد كبير تخطيط التدقيق ورصد التوصيات الصادرة عن عمليات التدقيق السابقة.
في البرازيل، أثبتت النسخة التجريبية من “ماسح المناخ” أنَّها قيّمة جداً في تحسين عملية تخطيط التدقيق لحوكمة المناخ. ومن خلال تقليل الوقت اللازم للتخطيط بشكل كبير، يمكِّن “ماسح المناخ” المدققين من التركيز على القضايا الموضوعية بدلاً من العقبات الإجرائية. ولا تعزِّز هذه الكفاءة جودة عمليات التدقيق فحسب، بل تعظِّم أيضاً استخدام الموارد ضمن الأجهزة.
الدروس المستفادة حتى اليوم
كان هناك اهتمام ملحوظ داخل مجتمع الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة بقضايا تغير المناخ، كما يتَّضح من العدد الكبير للأجهزة التي شاركت في ورش العمل التدريبية. ويؤدّي ذلك إلى زيادة الوعي بأهمية الحوكمة والمساءلة الفعّالتين في المسائل البيئية. وبدأت مختلف الأجهزة في إعطاء الأولوية لعمليات التدقيق الخاصَّة بالمناخ، مما يشير إلى التزام بضمان إدارة جهات القطاع العام لمسؤولياتها البيئية بفعاليّة. ويعكس هذا الاهتمام الشديد فهماً أوسع نطاقاً بأنَّ الأجهزة تؤدّي دوراً حاسماً في تعزيز الشفافيّة والمساءلة في الاستجابات الحكومية لتحديات المناخ.
وجرى تعزيز التكامل الإقليمي من خلال سبع ورش عمل تدريبية إقليمية عُقِدَت في عام 2024، مما أدّى إلى إيجاد منصّة يمكن للبلدان من خلاله التعاون في التصدّي للتحديات المناخية المشتركة. وفتح التعاون بين الأجهزة الأبواب أمام فرص فعّالة للتعلُّم بالممارسة. ويعزِّز هذا التبادل ثقافة تعلُّم لا تقوّي القدرات الفردية لكل جهاز فحسب، بل أيضاً الفعاليّة الجماعيّة لشبكة الأجهزة في التصدّي لتغير المناخ.
ويوفِّر إدخال “ماسح المناخ” إطاراً موحّداَ للأجهزة للإبلاغ عن تغير المناخ. وتتيح هذه الأداة المبتكرة اتّباع نهجٍ موحَّدٍ لتقييم المخاطر والفرص المناخية، مما يمكِّن الأجهزة من المشاركة بفعاليّة أكبر مع أصحاب المصلحة. ومن خلال تحفيز لغة مشتركة، يبسِّط “ماسح المناخ” النقاشات المعقَّدة ويسرِّع تبادل المعلومات، مما يضمن اتّساق جهود جميع أعضاء مجتمع الأجهزة.
وأثْرَت الحوار التعاونات مع الجهات الفاعلة الرئيسية مثل الأمم المتحدة ومصارف التنمية ومراكز التفكير المعنية بالمناخ. وتوفِّر هذه الشراكات الخارجية للأجهزة مرئيات وموارد وأطر إضافية لفهم تعقيدات التحديات المرتبطة بالمناخ، مما يعزِّز في نهاية المطاف جودة عمليات التدقيق التي تقوم بها وملاءمتها.
ومع تطور الأجهزة في أدوارها المتعلِّقة بتغير المناخ، من الضروري النظر في طريقة تكييف نموذج “ماسح المناخ” مع مجالات النشاط المؤسسي الأخرى. على سبيل المثال، هل يمكن تطبيق هذا الهيكل على عمليات التدقيق الاجتماعية التي تتناول التخفيف من حدَّة الفقر أو حوكمة الصحة؟ ويمكن أن تكون الدروس المستفادة من مبادرات تغير المناخ بمثابة مخطط لحشد وتنظيم إجراءات الأجهزة في مختلف المجالات، ومعالجة القضايا الشاملة الأوسع نطاقاً التي تتطلَّب مستويات مماثلة من المساءلة والشفافيّة.
وتكشف الدروس التي استقاها مجتمع الأجهزة في مجال تغير المناخ عن مرئيات حاسمة بشأن أهمية العمل الجماعي والشراكات والأدوات المبتكرة. ولا تعني مشاركة الأجهزة في هذا المجال الحيوي مجرد الالتزام بضمان المساءلة البيئية، بل تبرز أيضاً التطور المستمر لهذه الأجهزة في الوقت الذي تتكيَّف فيه مع التحديات العالمية الناشئة. ومن خلال مواصلة التعلُّم من بعضها البعض وتحفيز التعاون، يمكن أن تعزِّز الأجهزة بشكل أكبر تأثيرها في دعم مستقبل مستدام.