تنفيذ المداولات: دراسة حالة رقابة مالية في الإدارة الوطنية للبنى التحتية للنقل 

منظر جوي لطريق دوم بيدرو السريع في مدينة كامبيناس، البرازيل. المصدر: Adobe Stock Images، باولو

المؤلفون: واليسون ألان كوريّا دي ألمييدا ولويس فرناندو أوروراهي دي سوزا، مراقبان فدراليان في الرقابة الخارجية، محكمة الحسابات الفيدرالية البرازيلية

1 – المقدمة

توكل إلى الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة في البرازيل المعروف باسم ” محكمة الحسابات الفيدرالية البرازيلية” مهمة الإشراف على محاسبة الكيان الفدرالي وإدارته المالية والتشغيلية وإدارة الموازنة والأصول من أجل ضمان القانونية والشرعية والاقتصاد. ويمنح الدستور الفدرالي للعام 1988 محكمة الحسابات الفيدرالية صلاحية إنفاذ الامتثال للقانون عبر وضع مهل زمنية للتدابير التصحيحية الضرورية عند الكشف عن حالات غير قانونية. 

كما تملك محكمة الحسابات الفيدرالية سلطة إصدار نوعين من المداولات: القرارات والتوصيات. القرارات تكون إلزامية وتستوجب من المتلقي اتخاذ خطوات فورية محددة لمنع حدوث مخالفات أو تصحيحها، أو إزالة مفاعيلها أو تفادي تنفيذ أفعال مخالفة للقانون ضمن إطار زمني منصوص عليه. أمّا التوصيات، من جهة ٍ أخرى، فهي تعاونية تقدم للمتلقي فرصاً للتحسين بهدف تعزيز الممارسات الإدارية أو السياسات العامة والبرامج الحكومية. 

ويشكل الرصد أداة أساسية لمحكمة الحسابات الفيدرالية من أجل التحقق من تنفيذ القرارات والتوصيات وفعاليتها. وخلافاً للمتابعة التي تستوجب رقابة مستمرة للسياسات العامة والبرامج الحكومية، يقيّم الرصد بشكلٍ خاص الالتزام بمداولات محكمة الحسابات الفيدرالية وأثرها. 

تقدم هذه الدراسة تحليل حالة يهدف إلى تقييم تأثير قرار محكمة الحسابات الفيدرالية الذي صدر غداة عملية تدقيق خضعت لها إدارة حكومية حول الاستخدام الفعال للموارد العامة. وتستكشف هذه الدراسة كيف أثّرت عملية الرصد من جانب محكمة الحسابات الفيدرالية في أداء الوكالة وتسعى إلى تحديد استراتيجيات ناجحة ومجالات تحتاج إلى التعزيز. والغاية هي استخلاص الدروس المستقاة والأفكار العملية التي من شأنها أن تفيد أجهزة رقابية عليا أخرى في مهامها الرقابية، فتشارك بالتالي في الخطاب الأوسع حول مساءلة القطاع العام وإدارة الموارد.

2 – سياق دراسة حالة

تدعى الإدارة التي تدير سياسة البنى التحتية للنقل في البرازيل “الإدارة الوطنية للبنى التحتية للنقل”. وقد أجريت عملية تدقيق (العملية 4-2016/068-013) للتحقق من تنفيذ أعمال الصيانة في أجزاء من الطريق في إطار “البرنامج الوطني للإشارات والسلامة المرورية” (البرنامج القانوني-BR) بهدف تعزيز السلامة على الطرق السريعة الفيدرالية الخاضعة لسلطة الإدارة الوطنية للبنى التحتية للنقل. 

وقد شكلت عملية التدقيق هذه استمراراً لعمليات سابقة استهدفت السلامة المرورية في المناطق التي تشهد نسبة عالية من الحوادث، وأظهرت عدة مخالفات مثل عدم الامتثال للمعايير التقنية (عرض المسلك، الارتفاع الإضافي عند المنحنيات، وجود أكتاف)، وقصور في عناصر السلامة والاشارات، ومشاكل تتعلق بالصيانة والنظافة. 

وبالاضافة إلى ذلك، سُجلّت حالات تأخير في إنجاز مشاريع تنفيذية، مما تسبب بتأخير إضافي في التحسينات في سلامة الطرقات. ورداً على ذلك، أجرت محكمة الحسابات الفيدرالية عملية تدقيق جديدة بهدف إعادة تقييم سياسة سلامة الطرقات وتصحيح أوجه القصور التي تم تحديدها. 

3 – وضع القرارات في خلال عملية التدقيق

المشكلة الأساسية التي تناولتها عملية التدقيق كانت إدراج أقسام من الطرقات بإدارة هيئات حكومية وأقسام أعطيت إلى القطاع الخاص في إخطار المناقصات للبرنامج القانوني. وعلاوة ً على ذلك، راجعت عملية التدقيق نطاق أقسام الطرقات المغطاة غير المعبّدة أو حتى غير المنفذة. 

وبالتالي قدّم المتنافسون اقتراحات تتضمن الخدمات طوال تمديد الطرق السريعة المذكورة في الإخطار. ولكنّ الفائزين كانوا ينفذون العقود جزئياً من دون تخفيض القيمة النسبية. وفي خلال عملية التدقيق، تمّ التحقق من أن هذه الحالات قد حصلت في عدة أقسام من البرنامج. 

وفي ذلك الحين، نص القرار 265/2014 على المنهجية السائدة المستخدمة من جانب محكمة الحسابات الفيدرالية لوضع القرارات والتوصيات. 

وكانت هذه القاعدة قد حاولت ضمان أن تكون القرارات واضحة وقابلة للتنفيذ وذات صلة بالنسبة إلى الادارات المختلفة. وينبغي أن تصدر القرارات بمهل محددة للتنفيذ وإبلاغ محكمة الحسابات الفيدرالية بالتدابير المتخذة، أو، في بعض الحالات الأكثر تعقيداً، لتقديم خطة عمل تهدف إلى حل المشكلة وطلب تحديد الخطوات الواجب اتخاذها، والجهات المسؤولة ومهل التنفيذ. 

كما نصت على أن القرارات يجب أن تعطي الأولوية لنواح ٍ تتعلق بتصحيح أوجه القصور الرئيسية التي حددتها عملية التدقيق، وأن تستند إلى وقائع برزت أو تحليلات أُجريت. وتسلط القرارات الضوء على “ما الذي” يحتاج إلى التحسين أو التصحيح من دون وصف “كيفية” القيام بمثل هذه المهام وأن يسبق ذلك تقييم لجدوى التنفيذ. 

وبالتالي، حدد القرار 2.828/2016 – العام وجوب أن تعيد الإدارة الوطنية للبنى التحتية للنقل تقييم كافة العقود ضمن نطاق البرنامج القانوني-BR من أجل تحديد، وإن دعت الحاجة، إزالة القيم التي تشير إلى الخدمات على الطرقات السريعة الفيدرالية التي لم تنفذ أو هي قيد الانشاء أو خارج نطاق صلاحيتها. وكانت المهلة الزمنية 60 يوماً. 

ويتسق هذا القرار مع أهداف واحتياجات الإدارة الوطنية للبنى التحتية للنقل والبرنامج القانوني بحيث أنه سعى إلى تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد العامة مع الاستثمار في الخدمات التي هي ذات جدوى فعلياً وضمن نطاق صلاحية الادارة. 

كما تجدر الإشارة إلى أن القرار يركّز على إعادة تقييم العقود ذات الخدمات غير القابلة للتنفيذ بسبب وضع الطرقات السريعة، وهو يستند إلى وقائع برزت أو تحليلات أجريت في تقرير المداولات، ويفسح بالمجال لإجراء التصحيحات وفقا ً لتقدير الادارة. 

وإنما تجدر الاشارة إلى أنّه لم يسبق ذلك كما ينبغي أي تقييم لجدوى التنفيذ كما يظهر من خلال مهلة الستين يوماً القصيرة الممنوحة.  مما يفترض عدم الأخذ بعين الاعتبار لقدرات الادارة التشغيلية والتحديات العملية التي قد تطرأ في خلال عملية إعادة التقييم كما سوف يظهر في ما بعد. 

4 – رصد القرارات وتنفيذها

يشير الأمر الاداري 27/2009 إلى رصد القرارات والتوصيات، بما في ذلك التخطيط والتنفيذ وصياغة التقرير وضمان الجودة. وطريقة محكمة الحسابات الفيدرالية الرئيسية للتفاعل مع الادارات في خلال فترة الرصد هي عبر العملية الواجبة، وهي عملية تهدف إلى طلب الوثائق أو المعلومات الضرورية لمراجعة الحالات. كما يتضمن هذا الأمر تحديد المهل الزمنية لتقديم مثل هذه المعلومات أو الوثائق، ما هو أساسي لتوضيح الشكوك وجمع الاثباتات والتحقق من تنفيذ القرارات. والهدف من ذلك تحديد الوقائع بدقة من أجل توفير أساس متين لأحكام محكمة الحسابات الفيدرالية. 

في الحالة التي تم رصدها، كانت المشكلة الأولية التقييم غير الكافي لجدوى تنفيذ القرارات. وقد أخفقت تلك العملية الرقابية في الأخذ بعين الاعتبار لقدرات الادارة العملياتية والتحديات العملية المحتملة التي قد تظهر في خلال إعادة تقييم العقود. 

أُعطي للقرار الأصلي مهلة زمنية من 60 يوماً للتنفيذ، غير أنه لم يعتبر مكتملا ً إلاّ سنة 2019، أي بعد حوالى 3 سنوات من القرار الأولي. وقد واجه التنفيذ عدة عقبات: نقص في الموظفين المؤهلين وأعباء الفريق الزائدة، البيروقراطية المفرطة والتي تتميز بالاجراءات الادارية المعقدة وتحتاج إلى موافقات متعددة، والتغييرات في الادارة التي عطّلت استمرارية المعلومات وبدلّت من الأولويات وأدّت إلى اللغط بخصوص القرارات الأولية. 

ومن أجل تخطي تلك العوائق، تم تمديد المهلة الزمنية وصدرت عدة عمليات واجبة. وهذا يدل على ضرورة أن تعيد محكمة الحسابات الفيدرالية تقييم إجراءاتها وتعزز التواصل والتنسيق مع الادارات بدءاً بإصدار القرارات ووصولا ً إلى رصدها وضمان تنفيذ أكثر فعالية وفي وقت مناسب أكثر. 

5 – أثر البرنامج الخاضع للتدقيق

على الرغم من العوائق والتأخير، أفادت مداولات محكمة الحسابات الفيدرالية البرنامج القانوني-BR على وجه الخصوص، كما ورد في القرار 2019/2.232 -العام. وقد أدى هذا التدخل إلى تحسينات ملحوظة في إدارة البرنامج وتنفيذه، مما عزّز الفعالية. 

وتم تحقيق وفورات مهمة في التكاليف عبر تعديل 57 من أصل 109 عقد، مما سمح بادخار حوالى 458 مليون ريال برازيلي (ما يعادل تقريباً 90 مليون د.أ. بحسب سعر الصرف بتاريخ أيار/مايو 2024). ويظهر هذا الانجاز تخصيصاً أفضل للموارد والتوفيق بين النفقات واحتياجات البرنامج الفعلية. 

وعلاوة ً على ذلك، كشفت هذه الجهود عن إمكانية تنفيذ خدمات غير منتظمة وسلطت الضوء على عيوب في البرنامج. وقد برهنت إجراءات محكمة الحسابات الفيدرالية التصحيحية التي تضمنت تعديلا ً للقيم التعاقدية، التزاماً بالشفافية والإدارة المسؤولة، مما خفض من مخاطر الخزينة. ولم تصحح هذه المقاربة المسائل العاجلة فحسب بل أرست أيضا ً سابقة في إدارة الأموال العامة بفعالية أكبر، مما يضمن المساءلة ويخفض الخسائر المالية المحتملة إلى الحد الأدنى. 

6 – بناء المداولات التشاركي

بهدف تعزيز فعالية الأعمال الرقابية وجودة المداولات، قامت محكمة الحسابات الفيدرالية بمراجعة منهجيتها عبر القرار 2020/315. ويشدد هذا التعديل على إشراك الجهات الخاضعة للرقابة في عملية المداولات من خلال مشاركة تقارير رقابية أولية تحتوي على مسودات توصيات أو قرارات والسعي إلى الحصول على تغذيتهم الراجعة بخصوص آثار التنفيذ العملية والبدائل ضمن فترة زمنية معقولة. 

ويوصي القرار بإدراج ردود الجهات الخاضعة للرقابة في المسودات النهائية للمداولات. وفي حال حددت الجهات الخاضعة للرقابة آثار سلبية أو اقترحت حلولا ً أكثر فعالية، يتعين على محكمة الحسابات الفيدرالية تبرير إبقائها للمقترحات الأولية. وتضمن هذه العملية نهجا ً شاملاً يأخذ بعين الاعتبار مدخلات الخاضعين للرقابة في مداولات محكمة الحسابات الفيدرالية ويهدف إلى تحقيق عملية صنع قرار أكثر استنارة وفعالية تأخذ بعين الحسبان الجوانب العملية والتحسينات المحتملة المقترحة من قبل الجهات الخاضعة للرقابة.

7 – الدروس المستقاة والممارسات الفضلى 

تبرز دراسة الحالة أهمية التقييم الصحيح لجدوى تنفيذ المداولات. إن التغاضي عن القدرات التشغيلية لإحدى الادارات قد يؤدي إلى مهل زمنية غير واقعية وتأخيرات كبيرة. ومن الأساسي بالنسبة إلى الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة تحليل قدرة الادارة الخاضعة للرقابة على تنفيذ التوصيات ضمن المهل الزمنية المحددة مع أخذ التحديات المحتملة بعين الاعتبار. 

من أجل التخفيف من وطأة من هذه المسألة، قامت محكمة الحسابات الفيدرالية بتحسين تواصلها مع الادارات الخاضعة للتدقيق، مما عزز الحوار البنّاء وسمح بتقديم الملاحظات والبدائل في خلال عملية التدقيق. التشديد على الشفافية وتبرير القرارات أمران أساسيان لبناء الثقة والتعاون ما بين الهيئات المختلفة. ويمكن لأجهزة رقابية عليا أخرى أن تعتمد هذا النهج فتشرك الادارات الخاضعة للرقابة في عملية المداولات وتشجع الحوار القائم حالياً من أجل تعزيز كفاءة الرقابة المالية. 

رغم التحديات التي تمت مواجهتها، لقد كان الأثر الايجابي للرصد والتدقيق على البرنامج الخاضع للرقابة بارزا ً وأدى إلى تحسينات واضحة في إدارة البرنامج وتنفيذه. كما نتج عن إعادة تقييم العقد وإعادة التفاوض بشأنه وفورات مهمة في التكاليف، مما أثبت فعالية عمليات الرصد والرقابة التي تقوم بها الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في تعزيز كفاءة التوزيع وضمان استخدام سليم للموارد العامة. 

المؤلفان، واليسون آلان كوريا دي ألميدا (يسار) ولويز فرناندو أوروراي دي سوزا (يمين). المصدر: المؤلفان، SAI Brazil
Back To Top