تقييم كفاية الأدلّة وملاءمتها في عمليات التدقيق المالي: دراسة حالة عن الدورة المحاسبية للنقد ومكافئات النقد

المصدر: Adobe Stock Images، soleg

من إعداد: خورخي بينتو دي كارفاليو جونيور

ما من شك في أنَّ الأدلة تشكِّل حجر الزاوية الذي يعتمد عليه المدققون في إثبات النتائج التي توصلوا إليها أثناء عمليات التدقيق المالي. والسؤال الحاسم بالنسبة إلى المدققين هو ما إذا كانت كمية ونوعية الأدلة التي تمّ جمعها أثناء الاختبار تدعم استنتاجاتهم بشكل لا لبس فيه.

ولمعالجة هذه المشكلة، من الضروري فهم العناصر التي تشكِّل أدلّة تدقيق كافية ومناسبة، والخطوات المنهجية المطلوبة للحصول عليها بنسب كافية. وهذا الأمر ضروري لدعم استنتاجات المدقّق بفعاليّة في سياق فحص معين.

وفي عمليات التدقيق المالي، توفّر ثلاثة معايير دولية للتدقيق على الأقل إرشادات مفصّلة عن هذا الموضوع: المعيار الدولي للمراجعة (500) – أدلّة المراجعة، والمعيار الدولي للمراجعة (501) – أدلّة المراجعة: اعتبارات محدّدة لبنود مختارة، والمعيار الدولي للمراجعة (505) – المصادقات الخارجية.

وبهدف ربط النظرية بالممارسة، سيستكشف هذا المقال بعض الفروق الدقيقة في هذه المعايير من خلال سيناريو افتراضي، لم يخضع فيه مدقق معيّن حديثاً في ديوان المحاسبة لبرامج تدريبية فعّالة ولم يتلقَ الدعم الكافي من المشرفين المباشرين في ما يتعلّق بمراقبة جودة التدقيق. وجرى تعيين المدقق هذا لإجراء تدقيق مالي في الحسابات الموحّدة لبلدية معيّنة، مع التركيز بشكل خاص على الدورة المحاسبية للنقد ومكافئات النقد1، ويتعيّن عليه العمل بنفسه على هذه المهمة.

ونظراً إلى الافتقار إلى الأدوات المنهجية اللازمة للممارسة المهنية الفعّالة ومواجهة مواعيد نهائية ضيقة، يحاول المدقق المتلهّف إلى الأداء الجيد جمع أكبر مقدار ممكن من المعلومات عن الدورة التي هو مسؤول عنها. وهو يصل إلى السجلات المحاسبية ضمن نطاق التدقيق ويصدر طلبات للحصول على بيانات إضافية من الأطراف ذات الصلة. وبعد تحليل الوثائق التي تمَّ جمعها، يخطّط المدقق وينفّذ الاختبارات التي يراها الأنسب.

عملية التدقيق المخطط لها من قبل المدقق

حدّد المدقق نحو 500 حساب مصرفي مسجّل في النظام المحاسبي للطرف المسؤول، بإجمالي 20 مليون دولار في نهاية الفترة الخاضعة للتدقيق. كما قرّر اختيار عينة غير إحصائية للحسابات ذات الأرصدة الأعلى في ذلك التاريخ، مما أسفر عن 20 عينة من العناصر بقيمة 3 ملايين دولار، وهو ما يمثل 15% من إجمالي الرصيد.

ونظراً إلى عدم قدرته على تحديد جميع الضوابط الداخلية المرتبطة بالدورة، اختار المدقق تنفيذ الإجراءات الموضوعية فقط. وطبّق أسلوب الفحص للتحقّق من المطابقة بين الأرصدة المحاسبية في 31 ديسمبر/كانون الأول والبيانات المصرفية التي تمّ الحصول عليها من دائرة الشؤون المالية في البلدية، إلى جانب نماذج التسوية ذات الصلة.

ولم يحدّد المدقق أي اختلافات في العينة التي جرى فحصها. وأكمل وثائق الاختبار (“أوراق العمل”) وأرسلها إلى رئيس فريق التدقيق لمراجعتها.

ملخص الاختبارات والنتائج

الدورة المحاسبيةعدد السكانالعينةإجراء التدقيقتقنية التدقيقالأدلّة التي تمّ جمعهاالخطأ الذي تمّ كشفه
النقد والمكافئات النقدية500 حساب مصرفي لكل سجل محاسبي؛ 20 مليون دولار إجمالي الرصيد في 12/31/XX.غير إحصائي (20 حساباً مصرفياً بإجمالي 3 ملايين دولار، أو 15% من الرصيد في 12/31/XX)الإجراءات الموضوعية (اختبارات التفاصيل)التفتيش– دفاتر الحسابات؛ – البيانات المصرفية المقدّمة من الجهة الخاضعة للتدقيق في ديسمبر/كانون الأول؛- أشكال التسوية.لا شيء
المصدر: المؤلف.

هل كانت أدلّة التدقيق كافية ومناسبة؟ 

الإجابة الأكثر ترجيحاً هي لا.

يرد أدناه ملخص للاعتبارات الرئيسية التي استند إليها هذا الاستنتاج. ومع ذلك، قبل الخوض في مزايا الأدلّة التي تمَّ الحصول عليها في الحالة الافتراضية الموضحة، من الضروري التأكيد على أنَّ تعريف نهج التدقيق للدورة المخصّصة للمدقق يعتمد بشكل جوهري على تقييم المخاطر المتعلّقة به. وستوجّه القرارات المتعلّقة بأفضل الاستجابات للمخاطر المحدّدة المدقق، من بين أمور أخرى، بشأن ما إذا كان ينبغي الجمع بين اختبارات الفعاليّة التشغيلية للضوابط والإجراءات الموضوعية (وتالياً تقليل حجم العينة في الحالة الأخيرة) أو الاعتماد بشكل حصري على الإجراءات الموضوعية.

إلى ذلك، فإنَّ القرارات المتعلّقة بحجم العينة الإحصائية أو غير الإحصائية المدقّقة، وتالياً حجم الأدلّة المطلوبة ومصادرها لتقديم الأدلّة ذات الصلة لدعم استنتاجات المدقق تعتمد بقوة على عملية فهم الجهة، وتحديد المخاطر الكامنة، وتقييم الضوابط الرقابية التي صمّمتها ونفّذتها. وباستخدام هذه العناصر، يمكن أن يتّخذ فريق التدقيق قرارات قائمة على أسس سليمة، وإدارة مخاطر إصدار آراء غير لائقة بشكل مرضٍ وأداء عمله بكفاءة. وهذا من شأنه على سبيل المثال أن يؤدّي إلى التخطيط الفعّال وتنفيذ الاختبارات بالنسب اللازمة، وليس إلى تدقيق ناقص أو مبالغ فيه لناحية التأكيدات الخاضعة للفحص.

ومع وضع هذه الاعتبارات الأولية في الحسبان، يمكن العودة إلى المثال الافتراضي:

كمية الأدلّة: اختبر المدقق 20 حساباً مصرفياً فقط من أصل 500، أي ما يغطّي 15% فقط من إجمالي الرصيد في التاريخ النهائي، ولم يربط العينة بمخاطر الأعمال. ولا يضمن هذا كفاية الأدلّة. ووفقًا للمعيار الدولي للمراجعة (500):

أ.8 […] تتأثّر كمية أدلّة المراجعة المطلوبة بتقييم المراجع لمخاطر التحريف الجوهري (فكلّما ارتفعت المخاطر المقيّمة، زادت أدلة المراجعة التي قد يلزم الحصول عليها)، وأيضا بجودة أدلة المراجعة (فكلما زادت الجودة، قلّت المطلوبة). ومع ذلك، فإن الحصول على المزيد من أدلّة المراجعة قد لا يعوض عن ضعف جودتها. 

جودة الأدلّة: اعتمد المدقق على البيانات المصرفية المقدّمة من دائرة الشؤون المالية بدلاً من استخدام تقنيات التأكيد الخارجي الإيجابية مع المصارف التي تحتفظ بالأموال البلدية. وكان هذا النهج ليعزّز بشكل كبير موثوقية الأدلّة. وينص المعيار الدولي للمراجعة (500) على ما يلي:

أ35. ومع التسليم بوجود تلك الاستثناءات، فإن التعميمات التالية بشأن إمكانية الاعتماد على أدلة المراجعة قد تكون مفيدة: 

تزيد إمكانية الاعتماد على أدلّة المراجعة عندما يتم الحصول عليها من مصادر مستقلة من خارج المنشأة. 

تعدُّ أدلّة المراجعة التي يحصل عليها المراجع بشكل مباشر (على سبيل المثال، من خلال ملاحظة تطبيق أدوات الرقابة) أعلى في إمكانية الاعتماد عليها من أدلة المراجعة التي يتم الحصول عليها بشكل غير مباشر أو عن طريق الاستدلال (على سبيل المثال، من خلال الاستفسار عن تطبيق أداة من أدوات الرقابة).

تكون أدلّة المراجعة التي توفرها المستندات الأصلية أعلى في إمكانية الاعتماد عليها من أدلّة المراجعة التي توفرها النسخ الضوئية أو النسخ المرسلة بالفاكس، أو المستندات التي تم تصويرها أو رقمنتها أو المحولة بأية صورة أخرى إلى شكل إلكتروني، والتي تتوقف إمكانية الاعتماد عليها على أدوات الرقابة على إعدادها وصونها.

التأكيدات التي جرى تناولها: ركّز المدقق على تأكيد “الوجود” (التحقّق من أنَّ السجلات المحاسبية مدعومة بكشوف مصرفية تظهر الوجود الفعلي للأرصدة المالية في نهاية العام) وتأكيد “الدقة والتقييم والتخصيص” (التحقّق من القيم المسجّلة مع أرصدة القوائم المعدّلة لأي تسويات). ومع ذلك، تجاهل المدقق المخاطر الأخرى المرتبطة بدورة النقد ومكافئاته، مثل المخاطر المتعلّقة “بالاكتمال” و”الحقوق والالتزامات”:

ويمكن أن تسمح تقنيات التتبُّع والبيانات من المصرف المركزي للبلد بتحديد الحسابات المصرفية غير المسجّلة، مما قد يكشف عن احتيال أو بيانات مغلوطة ماديّة (تأكيد الاكتمال).

وقد تكشف التأكيدات الخارجية لدى المصارف التي تحتفظ بأرصدة مسجّلة عن المبالغ المعترف بها بشكل غير صحيح والتي لا تعود إلى الجهة (تأكيد الحقوق والالتزامات).

حدود النطاق: لم يختبر المدقق سوى أرصدة نهاية العام، وأهمل التدفقات الداخلة والخارجة طوال السنة المالية، وأغفل عمليات الفحص اللازمة للإفصاح.

لماذا لا نصل إلى خلاصات قاطعة على أساس أدلّة غير كافية وغير مناسبة؟

ترتبط كفاية الأدلّة وملاءمتها بتقييم المخاطر، وهو ما كان غائباً في هذا السيناريو. ولو كانت مخاطر الأخطاء الجوهريّة المتعلّقة بالتأكيدات التي تمّت معالجتها منخفضة، لكان من الممكن اختبار فعاليّة الضوابط التشغيلية (إذا جرى التحقّق منها أثناء مرحلة التخطيط للتدقيق) والعمل مع عيّنات أصغر دون المساس بالجودة. ولكنَّ الافتقار إلى نهج قائم على المخاطر يقوّض الثقة في الأدلّة التي يتم الحصول عليها.


المراجع


من إعداد: خورخي بينتو دي كارفاليو جونيور (ساو باولو، البرازيل)

مدقق لدى مجلس مدققي الأمم المتحدة، بالنيابة عن محكمة الحسابات الفيدرالية البرازيلية. وهو مدقق خارجي في ديوان محاسبة بلدية ساو باولو، ويحمل شهادة في المحاسبة من جامعة ولاية باهيا، ونال مؤهلات عليا في الإدارة العامة البلدية من الجامعة عينها، وفي المحاسبة الحكومية (مؤسسة فيكونت كايرو)، وفي القانون العام والرقابة البلدية (جامعة ولاية باهيا).

عمل خورخي كمراقب للبلديات وسكرتير للإدارة والمالية والتخطيط في بلديات في باهيا، حيث كان أيضاً رائد أعمال. كما أنّه محلّل رقابة داخلية سابق لدى خزينة ولاية ريو دي جانيرو، حيث شغل منصب مراقب معايير فنية وعمل كمحاسب عام بالوكالة للولاية. بالإضافة إلى ذلك، كان مستشارا فنياً للغرفة الفنية لمعايير المحاسبة والبيانات المالية الفيدرالية بترشيح من معهد روي باربوسا، وعضواً سابقاً في اللجنة الدائمة لمحاسبة القطاع العام في البرازيل التي أنشأها مجلس المحاسبة الفيدرالي.


الحواشي

  1.  الدورات المحاسبية عبارة عن مجموعات من الحسابات المستخدمة في عملية الإقرار بمعاملات مالية محدّدة لجهة معيّنة وقياسها والإفصاح عنها. على سبيل المثال، تتضمن الدورة المحاسبية للمخصّصات حسابات الخصوم (الجارية وغير الجارية) التي تشكّل مثل هذه الالتزامات، فضلاً عن النفقات ذات الصلة المرتبطة بها. ↩︎
Back To Top