رسالة من رئيس الإنتوساي: أهمية دور المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات في التعليم
ناقش رئيس المنظمة الدولية للمؤسسات العليا لمراجعة الحسابات (INTOSAI)، الوزير برونو دانتاس، في رسالته المؤرخة في أكتوبر 2024، دور مؤسسات التدقيق في التعليم.
يعد التعليم أحد ركائز التنمية الوطنية، حيث يلعب دورًا أساسيًا في تحسين المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية التي تمهد الطريق لحياة كريمة لجميع الناس. بدءاً من التعليم الابتدائي، فإن تطوير المهارات يحمل في طياته القدرة على التأثير بشكل مباشر على الميزة التنافسية للأمة وحيويتها الاقتصادية ووضعها التنموي العام.
تمكّن البرامج والمبادرات الحكومية في قطاع التعليم، الممولة في الغالب من الموارد العامة، المؤسسات العليا للرقابة المالية والإدارية من التحقق من فعالية تحقيق الأهداف الوطنية والدولية، والمساهمة في توسيع نطاق الوصول إلى المعرفة، والحد من التفاوتات الاجتماعية، وتعزيز بناء مستقبل أكثر عدالة اجتماعية ومساواة والتزاماً بالاستدامة.
في سياق الالتزامات الدولية، تبرز خطة التنمية المستدامة لعام 2030 كعلامة فارقة في التعاون الدولي، حيث تقدم رؤية متكاملة للتنمية العالمية. ومن بين أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، يبرز الهدف الرابع بالتزامه بـ “ضمان التعليم الشامل والمنصف والجيد، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع”. ويؤكد هذا الهدف على التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان ويؤكد من جديد التزام الدولة باستدامة السياسات العامة. وعلاوة على ذلك، يلعب التعليم دورًا رئيسيًا في تعزيز التنمية البشرية الشاملة، وتعزيز المساواة الاجتماعية، وتشجيع المواطنة الفاعلة، ومنع التراجع الاجتماعي. وهو بمثابة حافز أساسي لتحقيق الأهداف الأخرى لخطة عام 2030.
يكشف تقرير “لمحة عن التعليم في لمحة 2024” الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عن إحراز تقدم كبير في التعليم والاندماج في سوق العمل، ولكنه يسلط الضوء أيضًا على التحديات التي تواجه ضمان حصول الجميع على فرص تعليمية جيدة، مما يدل على وجود علاقة قوية بين الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والأداء المدرسي. فالأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض لديهم فرص أقل في الحصول على التعليم والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة، وهو عيب يستمر طوال حياتهم المدرسية، بما في ذلك التعليم العالي.
وبالمثل، تسلط “دراسة التقدم في القراءة والكتابة على المستوى الدولي” (PIRLS) الضوء على التفاوت الكبير في معرفة القراءة والكتابة بين الطلاب من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة. في بلدان مثل البرازيل وبلغاريا والمجر وجنوب أفريقيا، يتفوق الطلاب من خلفيات أكثر ثراءً على الطلاب من خلفيات أكثر فقراً بأكثر من 120 نقطة. فيما يتعلق بالتعليم العالي والتدريب المهني، تُظهر بيانات “إحصاءات التعليم العالمي 2024” الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أن متوسط معدل الالتحاق بالتعليم العالي في العالم يبلغ 43%، ويصل إلى 79% في البلدان ذات الدخل المرتفع، وفقًا لتصنيف البنك الدولي.
كما أن الإنصاف هو جانب حاسم يجب مراعاته في السياسات التعليمية، حيث أن الفوارق في النظم التعليمية بين البلدان والسكان تخلق تفاوتات في سوق العمل والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تبرز الفوارق بين الجنسين في التعليم والتدريب التقني، والتفاوتات في مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين المناطق الحضرية والريفية. كما أن احتمال إكمال البالغين من السكان الأصليين للتعليم العالي أقل مقارنة بالبالغين من غير السكان الأصليين في جميع البلدان التي تم تحليلها.
وبالنظر إلى هذه التحديات، تلعب المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات دوراً متزايد الأهمية في سياسات التعليم العام. وليس من قبيل الصدفة أن تختار الجمعية العامة لمنظمة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي للمؤسسات العليا لمراجعة الحسابات (OLACEFS)، التي ستعقد في وقت لاحق من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، التعليم كموضوعها الرئيسي، مما يسلط الضوء على أهمية دور المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات في تعزيز جودة التعليم في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، هناك اقتراح على جدول الأعمال لوضع استراتيجية مشتركة بين مؤسسات منظمة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي للتربية والعلوم والثقافة (OLACEFS)، بهدف تعزيز الدور التعاوني لمؤسسات التدقيق في جدول الأعمال التعليمي. والهدف من ذلك هو التأثير بشكل إيجابي على النتائج التعليمية، مع التركيز على حوكمة السياسات العامة وتقييم اقتصاد وكفاءة وفعالية الإجراءات الحكومية، بما يتماشى مع خطة 2030.
إن دور المؤسسات العليا للرقابة أمر بالغ الأهمية لضمان تنفيذ الاستثمارات والسياسات العامة في مجال التعليم بكفاءة وشفافية وإنصاف. ولهذا، من الضروري أن تتكيف مؤسساتنا باستمرار مع الحقائق والتحديات الجديدة في قطاع التعليم، والتي تتطلب بشكل متزايد منظوراً طويل الأجل وفهماً عميقاً للتحولات الاجتماعية الجارية، فضلاً عن الابتكارات التكنولوجية الناشئة.
إن المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات مدعوة إلى دعم التنمية المستدامة من خلال قياس أثر السياسات التعليمية، مع الاعتراف بالتحديات المترابطة التي تواجهها. وفي ظل هذا السيناريو، فإن التعاون الدولي، لا سيما في إطار المنظمة الدولية للمؤسسات العليا لمراجعة الحسابات (INTOSAI)، ضروري لتعزيز قدراتنا الرقابية وضمان أن يظل التعليم أولوية للتنمية المستدامة.
يمكننا معًا تحويل السياسات التعليمية في كل بلد إلى أدوات حقيقية للتحول الاجتماعي.